الفقر والجوع
آفة الفقر والجوع ليست قضية تحرير أو طغيان، إنّما هي مسألة حياة أو موت، لا يمكن تأجيلها أو غضّ الطرف عنها في أي مجتمع كان. فإن استشرت في حضرة البطالة و انتشار الميز بين طبقات المجتمع و تفاوتات مستويات الدخل به، تسلّل الفساد إليه ورافقته الجريمة، لإنّ الجائع في سعيه إلى توفير احتياجاته، قد يلجأ إلى أي تصرّف سلبي دون اعتبار للعواقب، أو التّفكير بأيّ أمر آخر مهما بدا سامياً وذا قيمة وقدسية، فالجوع لا يعترف بقيم أو مبادئ وليس له دين، و هو "كافر" كما يقول المثل: كم هي كثيرة القضايا التي يواجهها المواطن الاردني المغلوب على أمره، فيصمت عنها أويتجاهلها، وقد لا يعيرها اهتماما، رغم ضجيج الأنباء الواردة عنها من كل حدب وصوب. ولا حتى ما يشهده العالم اليوم من زلازال اقتصادية و إنهيارات في الأسواق المالية التي اهتزّت لها معظم الدّول فأدّت إلى ارتفاع مهول في الأسعار، نتجت عنها بالضرورة إختلالات خطيرة. إن ما يهم المواطن الاردني هو توفير "كسرة" خبز وحيطان تقيه شر الحر و القر.
الخوف كل الخوف يكمن في تجاهل القائمين على الأمور، دورالعدالة الاجتماعية وتليل من خطورة العلاقة بينها وبين الاستقرار السياسي، تلك العلاقة الطرديه، التي كلما حافظ نظام ما، كان الاستقرار السياسي من نصيبه، وأسهم ذاك الاستقرار في توفير الأمن الاقتصادي والاجتماعي، وقد بات معلوماً أنّ الأمن الاقتصادي والأمن الأمني متلازمان، فكلما غابا بسبب غياب العدالة كثرت الإحتجاجات التي غالبا ما تتحول في المجتمعات المتخلفة إلى انفلاتات و ثورات يصعب ردعها. فالخطر يزداد كلما ازداد عدد الأفواه التي تبحث عن اللقمة، وغياب العدالة يؤدى إلى العنف والى منطق خذ حقك بيدك؛ وتدارك الأمور قبل تفاقمها أصبح من أوجب واجبات حكومتنا الموقرة وكل سياسينا والبرلمانيين المحترمين، بالعمل على معالجة أسباب الفقر ومسبباته، بدل صناعة الوهم و انتظار فرض العقوبات لاحقاً. فالوعود الوهمية زائد العقوبات هي أكثر خطراً من القنابل النووية التي تخيف الغرب رغم قوته..
الحق في التغذية، والحق في العيش الكريم، يعدان من أهم الحقوق الإنسانية، كونهما يشكلان مدخلا لحماية كرامة الإنسان وحقه في الحياة. فليس إذن من باب الصدفة أن تندرج محاربة الفقر في طليعة أهداف الألفية من أجل التنمية، التي التزمت خلالها الدول، وضمنها الاردن، بالتخفيض من معدل الفقر بنسبة 50% خلال الفترة الممتدة بين 2015 و2020سواء تعلق الأمر بالفقر المطلق، أو بالفقر النسبي أو بالهشاشة. فقراؤنا كما فقراء العالم، لا يؤمنون بأن يوما مشتقا من معاناتهم، يسمى "اليوم العالمي لمكافحة الفقر" و المحتفل به من أجلهم في الـ 17 أكتوبر من كل سنة - يمكنه القضاء على الفقر أو التقليص من مساحة مشاكل الفقراء الاقتصادية، التي تغرق وسط خوف و تخويف رهيب للناس من خطر أزمة فقر قادمة قد لا يسلم فقراء اليوم من تأثيرها. أزمة مختلفة عن كل الأزمات المالية العالمية التي عرفها العالم مند قرون.
ورغم التقدم التكنولوجي الهائل الذي شهدته البشرية، ورغم ارتفاع وتائر الإنتاج العالمي بشكل غير مسبوق، والتطور الاقتصادي المذهل الذي أصاب حياة ملايين البشر، ورغم ما حصل من تقدم خلال الأعوام الأخيرة في مجال ووسائل محاربة ظاهرة الفقر، فإن القضاء على هذه المعضلة، أو التقليص من مساحته، تحقيقا لأهداف الألفية الثالثة، يبقى حلما بعيد المنال، إذ لازال الفقر بجميع أشكاله يشمل قرابة 40% من سكانةالاردن و يمس الأرياف أكثر من المدن. و يزحف إلى أعداد كبيرة من الطبقة المتوسطة التي كانت عماد المجتمع وعصبُه، مما يهدد المجتمع بأسره.
ويرى بعض المحللين أن نظام الأجور الجامد في الاردن الذي لا يتلاءم مع تغيرات الأسعار، هو أحد أهم العوامل الرئيسية التي أفقرت الطبقة الوسطى، والتي يخشى من اندثارها واضمحلالها تحت ا مطارق غلاء الأسعار وتآكل الرواتب، بعد أن أعدمت الطبقة الدنيا وفتحت الطريق ممهدا أمام طبقة جديدة غالبيتها من تجار و مروجي المخضرات وناهبي المال العام ليتربعوا فوق كراسي الثراء، ونما نفوذهم على حساب نفوذ الأمة و قويت سلطتهم على حسابها، و ساد راس المال المتوحش الى الحد الذي طغى فيه على كل شيء وكانت النتيجة ما نراه الآن من فقر وتخلف، لأن غالبيتهم ليسوا على علاقة جيدة مع المشاريع البناءة التي تقود إلي نمو أو تقدم، و لم تعد سيادة الأمة مستمدة من الشعب بقدر ما أصبحت مستمدة من القوى المرعبة لأرباب المال والصناعة، لأنه عندما تقل المحاسبة تكثر السرقات، وعندما يُساء الاختيار تكثر السرقات، وعندما لا تكون هنالك رؤية للتخطيط الواضح تكثر الإخفاقات!
والاردن– ليس بأفضل من دول العالم الثالث – التي تقلّ فيها المراقبة وتكثر فيها المحاباة والمحسوبية، وتتداخل في القرار المقاربات الحزبية والعائلية والمصالحية.