التطرف الديني وشرعنة الارهاب

ماذا لو تجمّع الذين يرتكبون الجريمة في العالم وصنعوا لأنفسهم تجمعاً واحتلّوا أرضاً وأقاموا عليها دولتهم، وطلبوا من المجرمين في العالم الذهاب إليها، على شاكلة ما فعله تنظيم «داعش»؟ بالتأكيد، في عصر الفضاء الإلكتروني، سيصبح الأمر سهلاً للتوحّد حول هدف حتى لو كان الجريمة، فمن بين السبعة بلايين إنسان الذين يعيشون على الأرض، هناك الملايين الذين لديهم القابلية ليكونوا مجرمين يدافعون عن الجريمة، لذلك وُجدت القوانين للردع ومعاقبة من يرتكبها بعقوبات شديدة قد يكون من بينها المنع من السفر والتنقّل إلى دولة المجرمين المفترضة هذه.


وإذا أخذنا هذه الصورة للإجرام ونقلناها إلى التطرف الديني الذي تتفرع منه على أرض الواقع أشكال مختلفة الآن، ما بين «القاعدة» و «النصرة» و «داعش» و «بوكو حرام»، نجد فعل الإجرام متوافراً هنا أياً كان شكله: القتل أو السرقة أو حتى الاغتصاب مع اختلاف أن هذا يتم في شكل مباح وفقاً لرؤية الذين يرتكبون هذه الفظائع. فالذي يقتل الأبرياء ويذبحهم لاختلافهم الديني، يكون أشدّ جرماً من الذي قد يقتل لأسباب أخرى قد تكون لها مبرراتها وعلى رغم ذلك يُعاقب مرتكبوها، بل الأمر يصل إلى أن يصبح كل ما هو مخالف لأصحاب هذا التوجه التطرفي مباحاً لأن يقتل أو يسرق تحت دعوى الغنيمة وغيرها، وينتهك الأعراض تحت دعاوى السبي مثلما فعل «داعش» بالأقليات الدينية في العراق. فإذا كانت لدى المجرم الحقيقي القناعة بإجرامه، فإن المصيبة هنا عند التنظيمات المتطرفة تتمثّل في أنها تأخذ أسبابها وقناعتها من المظلة الدينية لمجتمعات لم يحسم عقلها حتى الآن أمره مع قضية الدين، وهو ما ينتج منه هذا الانحدار إلى التطرف الذي نشهده في المجتمعات العربية.


فالدين بتفسيراته، يعيش في أفق الماضي ولم يجدّد خطابه منذ ألف سنة، فكان من الطبيعي أن يحدث هذا الصدام المروع في مجتمعات لم تنجح حتى الآن في المرور من عتبات الحداثة، ومصرّة على العيش في جلباب التدين التقليدي السلفي. فأصبح هذا الميراث كله بمثابة القاعدة لشرعنة هذه الجرائم الفظيعة التي ترتكب في أشكال مختلفة باسم الدين، وباتت الحريات والخصوصيات الشخصية مباحة على وقع عقلية التطرف هذا.


فإذا كان تنظيم «داعش» أثار استغراب العالم بجرائمه وبسهولة سيطرته على معظم سورية وجزء كبير من العراق، ويجعل من أراضي هاتين الدولتين العربيتين قاعدة انطلاق لشرعنة جرائمه ونشرها، ويحوّل جغرافية البلدين إلى مكان يجذب كل من لديه ميول متطرفة، باسم الجهاد، فيرتكب جرائم في حق الأبرياء... يقتل ويسرق ويغتصب، فذلك يشير إلى أن القابلية للتطرف موجودة في بنية هذه المجتمعات وعقليتها أو بمعنى آخر في الأفكار الدينية التي تحرّك عقليتها. بدليل أن هناك عدداً كبيراً يهاجر إلى دولة الخلافة المزعومة حتى لو كانت دولاً تقع في جغرافية القارة الأوروبية.

 

وبالتالي، فقطع المداخل التي تؤدي إلى التطرّف وشرعنته يصبح الطريق الصحيح لمحاربة هذا الفكر بالقانون من دون أن ننتظر إلى أن تقع الجرائم الناتجة منه. والسؤال الآن الذي يجب ألا نخجل منه ونواجه به أنفسنا هو: لماذا نحن؟ ولماذا الدين الإسلامي لديه القابلية لأن يخرج منه الإرهاب في هذا الشكل الذي نشهده الآن؟ هل السبب في المضمون أو في منهج التعاطي معه أو في تقديس ما لا يجب تقديسه من فكر السابقين؟ الواقع يؤكد أن هناك أزمة حقيقية في الرأسمال الديني الذي يشكل عقلية فئات كبيرة من الشباب الذي يتحوّل بسهولة إلى التطرف. فمن أين يبدأ الإصلاح؟ وكم سيأخذ من الوقت؟ وما عدد الأجيال التي ستذهب ضحية انخداعها بهذا الرأسمال القاصر للدين؟ تساؤلات كثيرة ستجيب عنها حدة التفاعلات التي تشهدها هذه المجتمعات على أرض الواقع.