وزارة دفن الأمل

أستطيع القول -كخبيرة تربويّة- إنّ الأمل بالإصلاح الحقيقيّ في وزارة التربية والتعليم قد تمّ تكفينه وتشييعه ودفنه في عهد الوزير الحالي. أقول ذلك بعد أن استمعتُ إليه يتحدّث عن إصلاحه الذي لم يتجاوز عقد مؤتمر، وتشكيل لجان، وإعادة تأليف كتب، وترسيب 90 ألف شاب ليصبحوا وقوداً سهلاً للإرهاب، والعبث بامتحانات "التوجيهي".


ففي اللقاء الذي ضمّ نخبة من أهل الاختصاص والاهتمام، على مائدة مؤسسة فلسطين الدولية الأربعاء الماضية، تفضَّل الوزير ولخَّص لنا ما فعله في وزارته بخصوص التطوير، مُنَحّياً أيّ حديثٍ عن ملامح جوهر هذا التطوير، أو عن الرؤيا التربوية التي تقوده إلى هذا التغيير أو ذاك، برغم أني شخصياً طالبته بهما ولم يستجب. ولكننا استطعنا أن نستشفّ ملامح "إصلاحه" (وأنا هنا أتحدث كخبيرة لغويّة) من خلال حصيلته اللغوية والمفهوميّة التي تراوحت بين "لا نسمح" التي كرّرها أربع خمس مرات متتاليات، وبين "اتخذنا قرارات صارمة" وبين "النقد البنّاء" الذي ميّزه عن "النقد التشهيري" كشرطٍ لنقد وزارته، والذي وجّهه إلى ناقده الأريب المختص د. ذوقان عبيدات، في محاولة ناجحة لشخصنة الحوار. ففي تحليل المضمون سنجد أن تفكير معاليه خالٍ من أيّ رؤيا تربويّة فكرية، وأن مفهوم الإصلاح يقتصر لديه على التغيير الجزئي الذي ليس بالضرورة إلى الأمام. وأنّ الذهنية القمعيّة تحتلّ ركناً مكيناً لديه، وترشح من مفرداته وأفكاره.


ولذا فإنه ليس من العسير أن نستشفَّ الهشاشة في البنية الإصلاحيّة المزعومة، ما دامت تقوم على الإبقاء على جميع الطواقم التربويّة التي بناها الإخوان المسلمون، وعلى المشرفين على المناهج والكتب المدرسيّة منتهية الصلاحيّة. بل نستطيع أن نستنتج أنّ وزارة التربية بهذه القيادة الآن لا تختلف عن أي وزارة سابقة مشت وراء أحلام المتأسلمين في أسلمة التربية ومن ثمّ المجتمع (وهي أسلمةٌ قادت وتقود إلى الإرهاب عياناً جهاراً). فما دام الوزير في موقف دفاعه عن التأسلم التربويّ يلجأ إلى إرهابنا بالنصّ الدستوريّ أن "دين الدولة الإسلام"، مستنجداً بالخطاب الإسلاموي ذاته في حديث الهويّة، فليس لنا أن نصدّق أن الإصلاح قائمٌ وإليه يسيرُ مستقبلُ الأجيال والبلاد.


وبرغم أن السيد الوزير قد رحَّبَ بأي أحد يطرق بابه من أجل توصيل النقد إليه (وهو مطلب عجيب في عصر الانفجار التواصليّ)، إلا أنه تجاهل، كما هو العهد بالوزارات السابقة المتتالية، الكتّابَ وأصحابَ الفكر والرؤى الذين واللواتي بُحَّت أصواتهن/م على منابر الصحافة الورقية والإلكترونية والمؤسّسات المعنيّة.


وستكون الطامة الكبرى في حديث السيد الوزير، في رأيي، التأكيد على المنهج "التوافقيّ" في الإصلاح المزعوم. وهو منهجٌ لا تنتج عنه إلا مسوخٌ من القراءات والنتائج؛ فأن يضع المسؤول تربية الأجيال ومستقبل الوطن في أيدي شذرَ مدرَ وكيفما اتّفق، ثم يقول لهم: توافقوا، يعني أنَّه في حقيقة الأمر لا يملك التصوّر الأوليّ للنهوض التربوي، الذي يقوم على أيدي نخبة النخبة من أصحاب الرؤى التي تؤمن بالتقدّم والترقّي، لا بالتغيير إلى الخلف.


بعد تشييع الأمل بالتطوير التربويّ إلى مثواه الأخير، سيكون بيت العزاء في كل بيت أردنيّ...!