«ماكينة » الاخوان تعطلت ..هل يمكن استبدالها؟!
اخبار البلد- حسين الرواشده
السؤال الذي طرحناه في هذه الزاوية امس حول " نهاية " جماعة الاخوان المسلمين كفكرة و كتنظيم يبدو مفهوما و مشروعا ايضا , فعلى امتداد القرون المنصرمة سقطت امم وامبراطوريات , و في السنوات الاربعة الماضية سقطت في عالمنا العربي انظمة و عواصم , كما سقطت افكار وولدت افكار جديدة , وجماعة الاخوان , مثل غيرها من التنظيمات , ليست استثناء , فما اصاب غيرها يمكن ان يصيبها , وما حدث داخلها يشير بوضوح الى "السر” الذي كان يقف دائما وراء اقتراب” النهايات ", وهو انكار الواقع و " الاصرار” على المسار الخطأ, يبدو حاضرا في ضمير الجماعة وفي ممارساتها ايضا .
من التبسيط ، بالفعل، ان نتوقع بأن " الجماعة” ستتلاشى
وتختفي هكذا فجأة , او في سنوات , و من السذاجة ان نصدر على جماعة عمرها " 70”
عاما احكاما متسرعة استنادا الى الرغبات والامنيات لا الى الوقائع و الحوادث ,
وعليه فان " النهاية " المقصودة تتعلق بانحسار القوة والتأثير وانعدام الوزن
تدريجيا و التشتت و الانقسام , و هي مقدمات ضرورية لفهم الحالة و التنبؤ
بالمستقبل لكنها ليست كافية للحكم.
اذا ، ما هي العوامل والمحددات التي يمكن ان نستند عليها في اية
قراءة لمستقبل الجماعة في الاردن؟ يمكن ان نشير الى ثلاثة عوامل : الاول
ذاتي و يتعلق بقدرة الجماعة او " عجزها " على التكيف مع المستجدات , وعناصر القوة
و الضعف التي تمتلكها لمواجهة ازماتها واصلاح داخلها , و العامل الثاني
موضوعي ويتعلق بعلاقة الجماعة مع الدولة التي تحتضنها سياسيا و المجتمع الذي
يشكل حواضن اجتماعية لها , اما العامل الثالث فيتصل بالبيئة الخارجية وما تشتمل
عليه من متغيرات اقليمية ودولية لها علاقة مباشرة " بالاسلام " السياسي تحديدا ,
وبخرائط النفوذ في المنطقة بشكل عام.
اذا دققنا في العامل الاول سنلاحظ ان الجماعة تتعرض من سنوات " لعاصفة
" من التحولات الداخية , فقد انسحبت مجموعة منها شكلت مبادرة زمزم , ثم انتهى
"تململ” تيار الحمائم الذي خسر مقاعده فيها الى اطلاق مبادرة " الحكماء " لانقاذ
الجماعة , كما ان تيارات شبابية جديدة نشأت على هوامش " التشتت " تحاول الان
ان تبحث عن ارضيات داخل الجماعة ، لكن هذه الارضيات لا تحظى بقواسم مشتركة ,
الامر الذي ولّد حالة العزوف او الحرد او الجمود في صفوف هذه التيارات بعد ان فشلت
الجماعة في احتوائها وادمجتها .
"ماكينة الجماعة " تبدو الان " معطلة " سياسيا بسبب التشكيك في شرعيتها
من قبل " الجمعية " الجديدة , و الانشقاقات التي تهددها على صعيد الطبقة الاولى من
قياداتها التاريخية , والحصار الذي تتعرض له من الجهات الرسمية , وغياب اليقين
الذي اصاب الشعب و الكوادر .
واذا اضفنا الى حالة الاستقطاب حالة " الاستعصاء " الذي تتمرس بها
قيادات الجماعة الحالية لرفض كل المبادرات التي طرحت لاصلاحها او انقاذها , فان
الخلل الذي تسبب في وقف " ماكينة” الجماعة , وكان يمكن فيما مضى اصلاحه , تحول الى
حريق اعطب اجزاء من هذه الماكينة لدرجة ان اصلاحها بات امرا متعذرا , ولهذا وجب
تغيير الماكينة بالكامل.
هل يمكن تغيير الماكينة ؟, هذا يحتاج الى اعادة الظر جذريا في اصول
فكرة الاخوان وفي منطق التنظيم وما يحكمه من اعتبارات قانوينة واخلاقية , ثم في
علاقة الجماعة مع اعضائها ومع الدولة و المجتمع , وفي مجالات عملها السياسية
والدعوية وخطابها العام , اعرف ان المسألة بحاجة لمزيد من الشرح والتوضيح , لكن في
ضوء الواقع اعتقد ان الجماعة ليس لها – حتى الان – الرغبة و القدرة على القيام
بذلك , لان تغيير الماكينة ببساطة سينسف قناعات وامتيازات وعلاقات وتجربة طويلة
استقرت عليها الجماعة منذ عقود طويلة.
يبقى العاملان الاخران اللذان يتوقف عليهما تحديد مستقبل الجماعة
وهما: علاقتها مع الدولة والمجتمع ثم مع التغيرات الاقليمية والدولية في
المنطقة , وباختصار شديد اعتقد ان هذين العاملين يسيران في اتجاه معاكس تماما
لمصلحة الجماعة , وبالتالي فان ما تحوز عليه الجماعة من عناصر قوة يمكن ان تغري
هذه الاطراف على التوافق معها او حتى التعامل معها بايجابية , لا يكفي مقابل ما
اصابها من حالة ضعف تدفع باتجاه محاصرتها واضعافها تمهيدا "لهز” شجرتها ،
وانتزاع شرعيتها وايجاد البدائل لها , من داخلها او من خارجها , وهنا تكمن
نقطة افتراق الاطراف واختلال ميزان المصالح واسباب الطلاق ايضا .
غدا نكمل ان شاء الله.