عن الانتماء والوجع
لنختار سويا أي قرية نائية في الجنوب أو الشمال في الشرق أو في الغرب ، ولنحاول دخول الحارات المنسية والزقق المشبعة برائحة الفقر والجوع ولنراقب ونتفحص ناسها.
بيوت ومنازل موشحة بالعوز أصحابها على طهارة الحلم والأمل برؤوس مشبعة في التعب والشيب ، في تلك الأحياء كل الناس في محراب الوطن ما زالوا على وضوء الحب والخوف يرددون ترانيم وتراتيل وتمتمات قبل وبعد كل صلاة بأن يحمي الله هذا الوطن.
هناك حيث تراب الدار وطن وتنكة السمنة المزروعة بالعطرية وطن والدالية وطن .. وعكاز الختيار وطن ... وجدائل الصبايا وطن ...
هناك حيث يغادر العسكر بيوتهم للمعسكرات فيصنعوا كتائب من النبض ، هناك حيث الرضى فطرة ... كما الصبر كما الصمت ... كما كل شيء ... والفطرة وطن.
هناك حيث العجائز المدقدقة بالنكت تروي حكايات البلاد وتقص روايات الصبر ، هناك حيث تقرأ من تجاعيد وجوه الختيارية حكاية الامارة وكيف صار الوطن وطن.
هناك حيث حيطان المنازل تواظب على احتضان صورة للعلم ولخارطة الأردن وكل خرائط الجي بي أس عجزت عن وصول أي مسؤول إليهم.
هناك حيث لا يدرس الولد إلا عندما يبيع الوالد الوطاة ، فلا مخصصات ولا بعثات ولا امتيازات ولا أفضليات.
هناك حيث لا توجد وراثة في أي شيء سوى بأمراض القرحة والسكري والضغط.
هناك حيث كل ليلة ينامون على فراش القناعة يضعون رأسهم على وسادة الصبر ويتلحفون لحاف الرضا يخبؤون في مقلهم وطنا بحجم الورد وبقلبهم انتماء يفوق مساحة هذه الأرض يتلون تمتماتهم بأن يحمي الله هذا البلد.
وعندما يستيقظون يكتشفوا بان سيل التمتمات ما زال ينبض على لسانهم.
فاعذوني أيها المنسيون في كل مكان وأمسحوها بوجهي كلما قراتم أو سمعتم أحد المسؤولين وهو يصرح وهو يخطب وهو يتحدث عن الانتماء والخوف على البلد مع ان همه أن يمص دم هذا البلد.
اعذروهم يا تراب البلد ويا غبار السيف ويا برادة الرصاص.
اعذروهم يا هدب الشمغ ويا نطاق العسكر ويا منجل الحصاد.
فالوطن لكم مهد ولحد والوطن لهم ليس إلا حقيبة سفر.
Khaldon00f@yahoo.com