إضاءة على المجموعة القصصية "سيدات العتمة"

اخبار البلد

 


بقلم : صابرين فرعون


تكتب شيخة حليوى بروح الأنثى المتمردة على قمع الأنا الممتلئة حلماً وأملاً ، الأنا الأنثى التي تهب المجتمع ذكوره وإناثه ليكملوا دورة الحياة ، الأنا التي تُزهر من فيض أناملها قصص الطفولة والأمومة والعشق في وجه الجدر التي بناها الجهل في عقول تبنت شريعة العيب وأوجدتها كأعراف قبلية تقنص من دور المرأة وتطويرها وتنمية قدراتها إن قبلت أن تكون جارية القدور وأواني الطعام الممتلئة حتى آخرها وشغلها راحة أهل البيت ولا تلتفت لنفسها، وتوافق بالسمع والطاعة لتحصد رضا القبيلة.. تكتب شيخة حليوى بألسنتهن ، تلك الطبقة من اللواتي يبحثن عن الرحمة والرأفة ليكن هن بكينونة المرأة المتعلمة والمثقفة والعاملة والمبدعة التي تمثل اللبنة المُنتِجة للأجيال وتأكيد أن المرأة من دم كما هي من لحم ، تكتب شيخة لترمم الثقوب التي يتسرب منها الخوف وتحث على التمرد على الطاعة العمياء وثقب كوة جديرة بأن تتنفس منها سجينات القصر العاجي ، لمساعدتهن على فهم منظومة انتزاع أبسط حقوق العيش والوعي بهذه الحقوق التي تدفعهن للإنتاج والإبداع..

ست عشرة قصةً عن وجوه لنسوة من بيوت الأصالة والبداوة يقلن "لا" في وجه القصور والتهميش ، لإثبات بصمتهن في المجتمع العربي والفلسطيني على وجه الخصوص ، حيث من الملاحظ أن المرأة الفلسطينية كأديبة حاملة رسالة على سبيل المثال ، لها دورٌ في نقل رسالة الوطن كحاملة للهم الوطني من جهة وإبداعها وظيفياً لاحتوائها معاني الأمومة والطفولة بغريزتها.. 

تؤكد حليوى خصوصية المكان في قصصها ، "حيفا" بوابة عبور المرأة لدواخلها وتعرفها على أناها التي تتنفس من خلالها نسائم الاستقلالية سواء في الدراسة أو العمل أو حتى السكن ، تلك التفاصيل تخرجها من دائرة التبعية والعيب المجتمعي و "ليس الآخر" ، كما أن الأماكن تحتال على التمثلات الشعورية التي تقيد الإنسان، فها هي تعلن بداية التمرد والحرية  كطفلة من خلال قص جديلتها في قصة "حيفا اغتالت جديلتي" ، كصبية من خلال الهرب من رعي الأغنام والبحث عن الحب في "الحب كله حبيته فيك" ..

اعتمدت شيخة الرمز كتقنية كثيفة الايحاءات الفكرية والشعورية ، كما توازن الكاتبة بين السرد القصصي واختزال الأفكار ، كما في "أفعى الجنة التي تحرس ثمار الجنة ، وشجرة البلوط والتي تشير لليمومة والثبات والأصالة ، وشجرة الكينا ترمز للحب، الألوان كالوردة الحمراء والورود البيضاء والصفراء، "دعاء" الاسم وفحواه الابتهال، العتمة بما تحمله من معاني القيد، الحيطان التي يرتد بها الصوت ويسمع صداه" ، كذلك جاءت عناوين القصص عفوية وبسيطة  واحتوت عنصر التشويق ، قصص مثل :
"باب الجسد" ، "سؤال خنجر" ، "يوم ماتت حمارتي" ، "وردةٌ حمراء مضحكة" ،"حيفا اغتالت جديلتي" و "مدن منزوعة الروح".. تبدأ عناصر القصص تتطور من حيث كاريزما الشخصيات وتحديد الزمان،  وتأخذ شكلاً واضحاً وتخرج عن السرد الذاتي من القصة الثالثة "كالنجوم يسقطن من السماء" .. 
أشير إلى أن القاصة اعتمدت نمطين سرديين "اللغة الفصحى واللهجة المحكية البدوية" ، وقد وظفت الثانية في سبيل المغايرة ومقاربة الواقع..

تسلط القصص الضوء على موضوع "الحُب" بين سجن "العيب" وإحساس يحفظ القلب من الحقد والكراهية ، كما أنها تحكي عن حقيقة عقلية وهي نفي الإثبات لعدم التورط في إثبات النفي ، الطفولة البريئة للفتاة، هواجس الشك والخوف على الشرف عند الأهل ، زواج الحظ والنصيب الذي سيجسد بداية النهاية، وظلامية نظرة المجتمع للمرأة مما يحد من دورها..

شيخة حسين حليوى قاصة وكاتبة فلسطينية، تحمل شهادة الماجستير في اللغة العربية ، تعمل حالياً مرشدة مشاريع تربوية في مدارس القدس ، صدر لها : نصوص "الفصول تعلمت الطيران ، قصص "سيدات العتمة" الصادر حديثاً عن دار فضاءات للنشر والتوزيع ..