هروب تركي إلى الأمام بعد الفشل في سوريا !

العمليات العسكرية الروسية من الجو والبحر أعطت ثمارها السورية بسرعة غير متوقعة. فقد بدأ الجيش السوري عملياته البرية التوسعية ( المحدلة )على اكثر من جبهة، بحيث استطاع استعادة العديد من البلدات والقرى والتلال والسهول في الريف، وبالتالي تخليص اعداد كبير وغفيرة من المواطنين من الذين كانوا في قبضة التنظيمات المسلحة المتطرفة.

وفي المقابل بدأ المسلحون بالتراجع والتقهقر في مناطق عديدة، بعدما اجبرتهم عاصفة السوخوي على الانسحاب الى الشمال بحثا عن ملجأ على الحدود مع تركيا. وواكب هذا الاندحار هبوط في معنويات المسلحين فنشطت عمليات الاستسلام وتسليم الاسلحة بشكل جماعي تحت عنوان التسويات والمصالحات الداخلية، كما حدث في حي الوعر بحمص يوم امس عندما غادرت قافلة المسلحين في هجرة الى الشمال تاركة كميات من الاسلحة واعداد كبيرة من المسلحين الذين طلبوا تسوية اوضاعهم من أجل البقاء في حمص.

هذا المشهد سيتكرر في اكثر من منطقة داخل سوريا لأن دفاعات المسلحين، كما معنوياتهم، بدأت بالانهيار، واعتقد اليوم ان المشروع المشبوه سقط برمته، وستبقى سوريا موحدة متماسكة شعبا وارضا عصية على التقسيم، وأن حلم الآخرين قد تلاشى، وما سمي «الربيع العربي» تكسرت موجاته على صخرة الصمود السوري.

ومن هذا الواقع الجديد نستطيع القول بثقة أن الاحداث في سوريا، بنتائجها وتحالفاتها الجديدة، ستعيد صياغة مستقبل المنطقة بشكل مختلف، وعلى عكس ما اشتهى الاخرون، على الصعيدين الاقليمي والدولي.

ومن أجل وقف هذا الانهيار، تسعى بعض الدول المشاركة في القتال ضد الدولة في سوريا، والداعمة للتنظيمات المسلحة المتطرفة بالمال والسلاح والرجال، إلى خلق واقع سياسي جديد، بعد فشل الحسم العسكري وسفك الدماء وهدم البنية التحتية، فهي تريد اللحاق بالركب السياسي بسرعة، عن طريق تقديم التنظيمات المسلحة المتطرفة على انها معارضة معتدلة، بهدف اشراكها بالتفاوض من اجل الحل السياسي، بحيث تصبح شريكا في عملية صياغة المستقبل السوري.

والحقيقة أن «الفزعة» الجوية الاوروبية لن يكون لها التأثير المباشر على سير المعركة، لأن الدول الاوروبية مرتبطة بالمشروع الاميركي المتوارث، لذلك ستكون ضرباتها الجوية للتنظيمات الارهابية محدودة بعددها ومتواضعة بنتائجها، وكل الانظار متجهة نحو السلاح الجوي والبحري الروسي، خصوصا بعدما اعلنت موسكو عن مشاركة الغواصات بضرب قواعد «داعش» وجيرانه. وكان من الممكن أن توفر دول الاتحاد الاوروبي على نفسها مشقة وعناء المشاركة في الحرب وتكتفي بالضغط الفعلي الجاد على تركيا لاقفال حدودها بالكامل بوجه المسلحين، ومنع انسياب الاموال وتسلل الرجال عبر الحدود الى سوريا، اضافة الى منع تهريب النفط بالصهاريج، بهذه الاجراءات يمكن تجفيف منابع الارهاب في سوريا والمنطقة.

ولكن تركيا التي تتجاهل دعوة الجميع لاقفال حدودها هربت الى الامام عبر عملية تصعيد فاجات الجميع، فدخول الجيش التركي الى العراق عبر عملية اجتياح عسكري لا نعرف اهدافها الحقيقية، تقود المنطقة كلها الى حافة حرب واسعة، قد تتحول الى صدام عسكري اقليمي خطير. ويعتقد البعض ان اردوغان اراد بالعدوان على العراق اعادة خلط الاوراق الاقليمية بعد الفشل الكبير للمشروع الاقليمي غي سوريا.. اخيرا نقول ان الاجتياح العسكري التركي والتغلغل داخل الاراضي العراقية يجب ان يعالج بسرعة، لأنه يقود المنطقة الى حافة الهاوية ويترك كل الابواب مفتوحة امام أسوأ الاحتمالات.