مجتمع الكراهية

أخبار البلد -
 
كل شيء بات غير متوازن حولنا، لذلك أدرنا الدفّة، وسرنا مع القطيع، متناسين، في كثير من الأحيان، الثقافة والمعرفة التي استطعنا التحصل عليها خلال سنوات عمرنا، هذا إن حصلنا تلك المعرفة فعلا!

في عالم ما بعد "الربيع العربي”، يبدو العربي أقل شأنا في كل شيء؛ في ثقافته، معرفته، تفاعله مع الأحداث بواقعية وعقلانية، قدرته في الحكم على الأمور برجاحة، انتمائه الوطني.. وأخيرا إنسانيته.

كل هذا الخراب يتبدى بوضوح في مواقع التواصل الاجتماعي، وهي المنابر التي استطاعت كشف زيف المجتمعات العربية، وما تنطوي عليه من خطاب موغل في الكراهية، ومحاولة تعميمه تحت حجج واهية عديدة.
في الخطاب الجديد، كل ما يحدث في العالم، هو جزء من المؤامرة الكونية التي لا تريد للعرب والمسلمين تحقيق التنمية والتقدم، وهو مفهوم مختلف عليه أيضا في الداخل العربي؛ فتحقيق التنمية في ذهن "المدنيين” يكون بامتلاك المعرفة والتكنولوجيا الحديثة، وفي ذهن "الإسلامويين”، بإقامة "دولة الإسلام”، وهي دولة مختلف على شكلها كذلك.

لكن الغريب هو أن "المدنيين”، بما يمثلونه من قوميين ويساريين وعلمانيين وليبراليين، يتفقون تماما مع "الإسلامويين”، في أن العنف يمكن أن يحقق التنمية والتقدم والرقي. لا فرق، حين الحديث عن مفهوم "القطيع” والدفاع عن مكتسباته، بين يمين ويسار، ولا بين مدنية مشوهة أو إسلام ارتجالي يبيح تفسير السياق التاريخي ونصوصه على هواه.

مجتمع الكراهية يتجلى في أقبح صوره على مواقع التواصل، ورغم أن هناك مجموعات مدفوعة الأجر ظهرت في الفترة الأخيرة على "تويتر” وتغرد من دول عربية وإقليمية معينة، إلا أن هناك أيضا، مجموعات وأفرادا يغردون من كل مكان في العالم، ويتبنون فكرا تكفيريا؛ إسلاميا وعلمانيا، سيرا على مقولة التقاء أقصى اليسار وأقصى اليمين.

ليس غريبا أن نجد في هذا السياق مجموعات وأفرادا كثرا، تزعزعت لديهم الثوابت التي انبنت على مدار قرون عديدة، ردا على ممارسات "داعش” وإخواتها في العالم العربي، وغيره من الأماكن، ليوجهوا نقدهم ورفضهم في اتجاه العقيدة، لا في اتجاه الممارسة، متناسين، أو جاهلين، بأن الحضارات الإنسانية جميعها، شهدت بروز مثل هذه الجماعات، ولكنها كانت طارئة، إذ سرعان ما كانت تعود المجتمعات إلى إنسانيتها، وتصحح من انحرافاتها.

الغريب، حقا، هو أن نجد من يبارك القتل والسبي والاستعباد، باسم "وهم قومي” سيطر على ذهنية الشرق المسلم، خصوصا، اسمه دولة الخلافة.

في مواقع التواصل، ينقسم العرب على حرب اليمن وسورية والعراق وليبيا، وعلى شكل الحكم في مصر، والهيمنة في غزة، وهو حق للجميع، غير أن هذا الاختلاف لا ينتج حوارا عقلانيا بيننا، بل فكرا اتهاميا إقصائيا، فكل فريق يدّعي امتلاك الحقيقة الواحدة، ليوسع بالتالي الهوة والخلاف بين أبناء البلد الواحد والأمة الواحدة.

مجتمع الكراهية بما يمثله من تناقضات فكرية مشوهة وانحيازات غير إنسانية وأحلام "توراتية عربية” وتقليد أعمى، موجود اليوم في كل بيت، ليس فقط عن طريق فضائيات الفتنة التي ما تزال تبث سمها في مجتمعاتنا، بل أيضا في مواقع التواصل الاجتماعي التي فشلنا في أن نجعل منها أدوات للتقدم والتنمية، وجررناها خلفنا في حروبنا الصغيرة البعيدة عن كل ما هو تنويري وإنساني، والتي لا تنتج سوى مزيد من العنف والتطرف والدماء.