دساتير الدول للمستقبل

دساتير الدول والقوانين التي يتوجب أن تشتمل عليها لتنظم صلاحيات الحكام، أصبحت في ظل ما ارتكب الحكام المرفوضين من قبل شعوبهم لفشلهم في إدارة البلاد، وما ارتكبوه في حق شعوبهم من مآسي القتل والتخريب والتشريد، ضرورة لا بد من العمل على تواجدها بحيث تؤمن حماية حق الشعب وإرادته وسلامته وسلامة الوطن من تغول الحاكم لمزاجية التشبث بالحكم دون وجه حق، وعلى الجيش أن يكون مسؤولاً عن حماية هذه القوانين في حال مارس الحاكم وسائل تضر بالمواطنين إذا ما تبين اتفاق الغالبية الشعبية على رفض الحاكم المتكررة ولايته لدورتين لا تتعدى الدورة الواحدة أربع سنوات لعدم أهليته للاستمرار، فالجيش في أصل واجباته أن يحمي سلامة الوطن وشعبه، ويحمي الحاكم فقط في حال لم يثبت عدم أهليته أو ما يوجب التخلي عنه حتى انتهاء ولايته، أو كان الشعب يرغب به حاكماً عليه.. بيد أن عدم رغبة الشعب بالرئيس وإعلانه ذلك في الشارع العام هو تأكيداً لا لبس فيه لسحبه التوكيل الممنوح له بدورالقيادة الرئيسية للبلاد، وبالتالي يكون مطلوباً من الجيش أن يمارس واجبه في حماية حق الشعب ضد الحاكم في حال معاندته للارادة الشعبية، فالحاكم مخول من الشعب لتسلم زمام قيادته، وبالتالي للشعب الحق أن يسحب هذا التخويل في حال تبين عدم أهلية الرئيس، وليس للرئيس أن يعاند الشعب أو يستخدم وسائل لأذية الناس، وفي حال ثبوت فعل مثل ذلك تسقط عن هذا الرئيس مشروعيته ويصبح مطلوباً من الجهات الأمنية والعسكرية

 

 

 

وعلى هذه القوانين أن تمتلك فاعلية قوية بحيث تمنع على الحاكم التلاعب بها وتغييرها خلال فترة محكوميته، مما يمنع على الحاكم الاتيان بأي من ممارسات التغول خلال وجوده في السلطة كما حصل في بعض البلاد العربية حيث استولى مواطن على الحكم بالانقلاب والتصق بموقعه لا يفارقه، حارماً الشعب من حقه في اختيار من يحكمه، ثم تمادى ليحول النظام السياسي للبلاد إلى حكم رئاسي موروث خلافاً لأنظمة الحكم الجمهورية الديمقراطية، أو ليحوله إلى حكم ملكي للالتفاف على النظام السياسي المتبع في البلد قاطعاً على الشعب حقه في اختيار النظام المتبع وفي تداول الحكم، وحاكماً عليه بالظلم المؤبد، فمن الخطأ قبول الشعب لرئيس استولى على مقعد الرئاسة دون وجه حق ويفترض بالجيش أن يمنع هذا المستولي على تولي زمام الحكم إلا إذا نجح بالانتخاب النزيه، وتعامل الانتخابات الرئاسية بقدر عال من التشديد، بحيث تسقط مشروعية المنتخب إذا ما ظهر ما يؤكد التلاعب بالانتخابات كما كان يحصل في مصر.. بل إن على الشعب واجب الانتفاض ومنع المستولي على الحكم من توليه دون الارادة الشعبية

 

 

 

والمشكلة في العادة لا تقف عند الحاكم الفاسد، فالخطورة تكمن بالبطانة والحكومة التي يتولاها ثلة من الفاسدين المتبادلين المنافع، كلٌ يحمي ظهر الآخر، حسب مقولة "نفعني أنفعك واحميني أحميك" فإذا القيادات التي تدير البلد تتحول لعصابات لنهب البلد وتحميلها الديون الخارجية فيما خيراتها تنهب بشكل سافر وجريء، كما رأينا في الحالة المصرية، فمن كان يعتقد أن يأتي يوماً نجد فيه من يقول للمتنفذين في البلد "من أين لكم هذا" أو "أين اختفت هذه الأموال" التي هي ملكاً للشعب، لقد عانى العالم العربي كثيراً من تفلت الأنظمة وتغولها على المواطن وحقوقه وسرقة مقدرات البلد وتجميد كافة الاصلاحات، من كان يقول أن يوماً سيأتي فيه من يقول كفانا استحداث مؤسسات رقابية وهمية تقيد من يقودها فلا هو فاعل ولا مستفعل، وكفانا مؤسسات اصلاحية يقوم عليها من يحتاج في أصله الاصلاح، كم كان مؤلما أن يقوم على تدارس القضاء على الفساد مجموعة من أكبر الفاسدين من المتفذين، فهل هؤلاء من الغباء بمكان تمكين القضاء على التقاطهم، ومن قال أن هذا اليوم بات وشيكاً لايقاف الادعاء على قضاء فاسد أنه فوق الشبهات، فكيف للمواطن تصديق عكس ما يراه ويضطر التعامل معه.. ربما هذه الفترة تكون فترة تجديد وتغيير واصلاح حقيقي، فيعمد الحكام على إزاحة الوجوه القديمة البالية لكثرة ما جرحتها التشوهات، وتفعيل دور الشباب الذكي والمؤهل وتسليمهم مواقع القيادة لتجريب ابداعاتهم في القيادة

 

 

 

الدول العربية التي تخلصت من أصنامها أمامها اليوم مهمة كبيرة، إذا فشلت في استغلالها بالاصلاح الحقيقي فقدت فرصتها، وستعود حليمة لعادتها القديمة يرحل حاكم دكتاتوري نهاب ووقح، ليأتي غيره ويفعل ما هو أنكى مما فعله سابقه، على الشباب الذين صنعوا ثورة التغيير أن يكونوا متنبهين للعبة أصحاب المصالح والمندسين من أصحاب الأجندات الخاصة أو المستأجرين لها، عليهم أن يتيقظوا ليكملوا ثورة التحرير حتى النهاية حيث لا طريق غير طريق الاصلاح والعودة على سكة التقدم والتطور الحقيقي بهمة فاعلة غير مشوبة بعقبات المرض