الحافر على الحافر

أخبار البلد -
 
دخلت جيوش الفرس البويهيين بغداد عام 334 للهجرة دون مقاومة تذكر، وسيطروا على مقاليد السلطة في عاصمة الخلافة العربية العباسية.

وتقول المصادر التاريخية إن المستكفي العباسي اضطر الى توزيع الالقاب على بني بويه، فمنح علي بن ابي شجاع (بويه) لقب «عماد الدولة»، ومنح احمد بن جويه لقب «مُعز الدولة»، ومنح اخاهما الحسن لقب «ركن الدولة»، كما تقول إن الفرس البُويهيين سيطروا على بغداد سيطرة كاملة طوال المدة التي ولّى الخلافة فيها – على نحو صُوري كل من المستكفي والمطيع والطائع والقادر.

لقد انتقلت السلطة الحقيقية في بغداد من العرب العباسيين الى الفرس البويهيين وكان من الوقائع التي حفظها التاريخ – الذي يعيد نفسه على وجه أو آخر – ان الخليفة القادر بالله اجبر على ان يُعلن في الملأ تفويضاً بأمور الحُكم الى بهاء الدولة البويهي، وان هذا الاخير وقومه استبدوا بالحكم استبدادا مطلقا «وحملوا الكافة على مقتضى الغرض والشهوة» كما يقول ابن خلدون.

فاذا علمنا ان «الاتراك» قد استولوا على بغداد قبل قرن تقريبا من استيلاء «الفرس» عليها، وان تداول السلطة في العراق بين تُرك وفرس انما كان بسبب ضعف العرب وانغماسهم بالفتن فيما بينهم، وموات هممهم، وفساد امورهم جملةً، فان مجال المقارنة سيكون مفتوحاً امامنا وواسعا بين ماض وحاضر، وسيكون في طوقنا ان نجري تعديلا بسيطا في الاسماء والمواقع والحيثيات، لتقوم ثمة حال من التطابق العجيب تؤذن بتشابه المصاير ولكن على مستوى اكبر واكثر شمولا.

ان ما كان متداولا بين الفرس والاتراك من امر بغداد والخلافة العباسية الضعيفة، قد اتسع اليوم ليصبح تداولا للامر بين الروس والاميركان في الوطن العربي الذي بلغ درجة من الضعف والتمزق لا مزيد وراءها.
انها ألوان من وقوع الحافر على الحافر نتبيّنها من خلال ضجيج الاعلام وتهاويله. وان من المؤكد ان دهاقنة الاستعمار الجديد يُفيدون ابعد الافادة واقصاها من تركات التاريخ في المشرق العربي الاسلامي، كما يُفيدون من غفلة العرب وتخلفهم وتمزقهم.

نقول هذا غير قانطين ولا مستيئسين، لما نعلمه من تعاقب الليل والنهار، والكبوة والنهوض، ولما نراه من تباشير وعي جديد (نرجو ان يكون حديدا) في أُمّة العرب، ولما نستيقنه من بقاء كتاب الله فينا، يلفتنا الى رسالتنا في الارض، والى ما يُحيينا من اسباب الوحدة والقوة والكرامة، ويظل نورا هاديا لنا، وللعالمين أجمعين..