الحابل والنابل !

عندما شرعت في كتابة هذا المقال، كانت الأنباء تتحدث عن دخول قوات تركية إلى محافظة نينوى شمال العراق عند حدود إقليم كردستان المحاذية لسوريا، حيث اعتبرت الحكومة العراقية ذلك انتهاكا لسيادتها مطالبة تركيا بسحب قواتها على الفور.

تركيا تحدثت عن عملية تبديل لقوات تقوم بتدريب قوات البيشمركة الكردية منذ أكثر من عامين، وما ليس واضحا هو أين يتم التدريب بشكل محدد وإلا لماذا تحتج الحكومة العراقية والأهم من ذلك ما هي الحدود التي تفصل بين كردستان عن الأكراد الذين يهاجمون تركيا ويطالبون بدولتهم الكاملة المقسمة بين تركيا والعراق وسوريا ؟

القوات الايرانية موجودة كذلك في العراق وسوريا وقد اختلط الحابل بالنابل ولهذه المقولة المعبرة عن تداخل الأمور في بعضها البعض ثلاثة معاني: الأول هو اختلاط الرماة بالسهام مع الرماة بالرماح والثاني اختلاط صيادي الحبال بصيادي النبل والثالث اختلاط المعز المعاشير أي غزيرة اللبن وتسمى الحابل مع المعز غير المعاشير التي يتم فرزها للبيع وتسمى النابل وأظن أن المعاني الثلاثة تنطبق على حال العراق وسوريا سواء ما يتعلق منها بالانقسامات الداخلية أو ما يتعلق بصراع مصالح القوى الإقليمية والدولية في المنطقة وتزايد حضورها بما يشير إلى مزيد من التعقيدات.

في لحظة معينة ستجد جميع الأطراف نفسها أمام حتمية الفرز وفقا للغايات الحقيقية من وجودها في الصراع وسيكون هناك من يدفع في اتجاه مزيد من التعقيد أو تحويل الفرز إلى قوتين متقابلتين تشير الدلائل إلى أنهما أقرب لحرب مدمرة وليس إلى تفاهم محتمل خاصة وأن الأهداف الظاهرة لا تمثل الحقيقة الكاملة بعد أن تجاوزت حدود العراق وسوريا كنتيجة طبيعية لتجاوز القوى الإقليمية لحدودها.

الآن نسمع عن خطوات ذات أبعاد قتالية مثل انضمام دول ما كنا نعتقد أنها يمكن أن تمارس أي عمل عسكري خارج حدودها وأقصد هنا ألمانيا والإعلان عن قواعد وغرف عمليات بهدف الاستعداد للحرب عندما تنشب وإذا كانت الاتصالات السياسية ترافق هذه التحركات المقلقة، فذلك لأن جميع الأطراف تعرف معنى إشعال حرب عالمية ثالثة ليس بالمفهوم الذي تحدث عنه جلالة الملك والقائم على مبدأ التحالف الدولي في مواجهة الإرهاب بل حرب تكون فيها المنظمات الإرهابية منضوية تحت راية إحدى القوتين أو كلاهما.

لقد علمتنا دروس التاريخ أن القوى العظمى تفتح أكبر مجال للحوار والاتفاق من أجل ألا تصل إلى مرحلة المواجهة العسكرية ولكن الدروس نفسها علمتنا أن طرفا ثالثا يمكن أن يدفع الجميع إلى الصدام قبل أن يتمكنوا من فرز الحابل من النابل.