البلطجةوالبلطجية: انثروبولوجياوسيكولوجياو لغويا * د. سليمان عربيات
الفترة الأخيرة, شاعت مصطلحات كثيرة في أقطارنا العربية, و ساعد على انتشارها الفضائيات العربية و أحيانا استخدمت هذه المصطلحات بصورة مبالغ فيها لإيصال رسالة أو لإلصاق تهمة بالطرف الآخر. و من هذه المفردات "البلطجة" و "البلطجية".
لا أقصد هنا في الحكم من هم البلطجية من وجهة نظري أو إسقاطها على فئة معينة من جميع الأطراف و لكن هدفي هو ما استطعت الوصول إليه من أصلها اللغوي و نشوئها و أنواعها من مدخل انثروبولوجي و سيكولوجي و سبل مواجهتها الممكنة.
إن أكثر ما استخدمت كلمة البلطجية, في مصر بعد الاعتداء على شباب التغيير في ميدان التحرير من قبل أشخاص على ظهور الجمال و الخيل و هم يحملون العصي و السكاكين (موقعة الجمل). و هذا يقود إلى البحث في أصلها و تاريخها. يقول الدكتور يسري دعبس في كتابه الموسوم " البلطجة" الصادر في عام 1998 البلطجة كلمة ليست عربية و إنما هي كلمة تركية, و هي مشتقة من كلمة "بلطة" و كلمة بلطة تعني في اللغة العربية آلة حادة معدة لقطع الأحطاب. و هي أداة ما زالت مستخدمة لقطع الأشجار في الريف الأردني. و نسميها "الفاعورة" و هي مصنوعة من الفولاذ بحجم كف اليد و شكله و لها شفرة حادة و تثبت في طرف عصا خشبية صلبة.
كانت البلطجة من أسلحة الحرب في العصور البدائية و شاع استخدامها في أيام الدولة المملوكية و الدولة العثمانية.
و يكنى "بالبلطجي" في اللغة التركية صانع البلط (جمع بلطة) أو بائعها أو مستخدمها. "و جي" تفيد المهنة في التركية فنقول في الأردن: خضرجي (بائع خضروات) و بيطرجي (البيطري) و السفرجي (عامل السفرة) و بنشرجي (مصلح اطارات السيارات- بنشر) و طوبرجي (الذي يقوم بوضع الطوبار الخشب) للسقف و المواسرجي (السباك أي من يصلح المواسير) و الكنفجي (أي صانع الكنافة) و الكمنجي (أي عازف الكمنجة) و كندرجي (أي صانع الكنادر) و عربجي (أي سائق العربة) و دكنجي (أي صاحب الدكان).
و كان السلطان مراد الثاني أول من كون فرقا بهذا الاسم لفتح الطرق بين أشجار الغابات و استعمال البلط كي يعبر الجيش العثماني و بهذا انتقلت هذه المهنة إلى مصر, إلا أنه في عهد انحطاط الدولة العثمانية أصبح البلطجية في حرس الوالي العثماني, ثم قويت سطوتهم فاعتدوا على الناس و قاموا بوظيفة حماية الشخصيات و بخاصة الأثرياء و السياسيين. في عصر الانفتاح أصبحوا أداة بأيدي رجال الأعمال المشبوهة. و تتجلى صورة البلطجية في الانتخابات النيابية, و هكذا تغير مفهوم كلمة "بلطجي" و أصبح يدل على الخارجين على القانون و النظام. و قد يقابل كلمة البلطجية في بعض الأقطار العربية مفردات مثل الشبيحة و الزعران و القبضايات.انثروبولوجيا و سيكولوجيا و لغويا / بقية
و تأخذ البلطجة أنماطا مختلفة حتى داخل الأسرة و في المجتمع عموما مثل فرض الخاوات في مواقف السرفيس أو حتى في أعمال التسول و حماية بعض المحلات و دور الترفيه و ترويج المخدرات و أعمال الابتزاز و السرقة. و للبلطجة أسبابها مثل الخصائص الجسدية في مرحلة مبكرة من العمر و تفكك الأسرة, و الانفتاح الاقتصادي و تبييض الأموال و الفساد السياسي و غياب هيبة الحكومات.
و يمكن مواجهة ظاهرة البلطجة و البلطجية بالطرق العلمية و فرض هيبة القانون و استئصال جذورهما من المجتمع بالقضاء على مظاهر الفساد السياسي و المظاهر العلنية للبلطجية مثل الاستغناء عنهم في حماية الشخصيات أو الاستعانة بهم في الانتخابات النيابية من قبل أصحاب رأس المال و محدثي النعمة و تفعيل دور المؤسسات الرسمية سواء في حماية الممتلكات
و الأشخاص أو بدورها التربوي و الثقافي و الأهم مشاركة المنظمات الشعبية و الأحزاب السياسية في مواجهة هذه الظاهرة.
و كما قال الدكتور دعبس: إن البلطجة تمثل كافة أنواع "الإرهاب الاجتماعي التي يمثلها بعض أبناء المجتمع المصري من مختلف الطبقات الاجتماعية و العمرية و المستويات الإدارية في المؤسسات الرسمية و غير الرسمية. حمانا الله و حمى مصر الغالية من شرور البلطجة و البلطجية