فازت الحكومة وخسر الشعب والنواب


كنت من الذين راهنوا على تراجع الحكومة عن قراراتها الأخيرة بما يتعلق بزيادة سعر اسطوانة الغاز، وتعديلات نظام ترخيص المركبات، ليس بسبب الهبة المعارضة العميقة التي شارك بها الجميع، شعبا ونوابا ونخبا سياسية وإعلامية، حتى أن مارق الطريق دخل على الخط، بل لقناعة تحمل شعار «افتعال أزمة ومن يحلها سيكون الفائز» أو «الأزمة قائمة عليك أن تستغلها».

طبعا الرايات التي رفعت وبمناسبة الحديث عن الشعارات، فمنها من استغل الوضع لإثبات الوجود، وهناك من هو مسير من جهات على اختلاف أنواعها، فنحن في بلد يجاوز فيه عدد المضادات السكان، وهذا ليس مبالغ فيه، إذا ما علمنا أن المؤثرين في الحياة العامة وليس بأرقام مطلقة فقط فإن أعداد الزوار واللاجئين وغيرهم تتجاوز السكان.
فعليا، باختصار لم تخسر الحكومة شيئا سوى أنها بدت كحمل وديع بعد سخط غير مسبوق، ولأن حرارة الفوز ستطال الجميع سينسى هؤلاء الوضع المتردي بشكل عام اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، والكل سيحتفل اليوم بإجبار الحكومة على التراجع عن محورين من آلاف المعضلات في إدارة الدولة منها ما زال في الغيب وآخر يمس معيشة الناس.
لن احتفل مع هؤلاء، فليس لدي مركبة بالأصل فقد بعتها في لحظة نزقة لدفع رسوم مدارس أولادي، وليس مثلما استعرض العشرات انهم استفادوا من القرار كون ترخيص مركباتهم انخفض عن المرات السابقة ومنهم من لديه الإمكانات لامتلاك 5 آلاف سي سي، ولن أفرح بالنصف دينار فأنا أدفع دوما النصف المذكور إضافة للسعر الأصلي، كانت 7 أم 8 أم 10، مراعاة لمشاعر وجهد الشخص الذي يرفعها للشقة، ولا أسأله عن السعر، ولم تصدف مرة أنني طلبت منه «جلدة»-تلك التي توضع كصمام أمان بين الاسطوانة والمدفأة والغاز المنزلي- صدفت مرة أنني اشتريت مجموعة من محل مواد بناء.
المعادلة سهلة ويمكن تفصيلها كالتالي: كمثال بسيط مثل رجل اعترض الطريق وسلبك عشرة دنانير ثم أعادها إليك في نفس اللحظة، وقال: أنا أخطأت، فتشعر بالغبطة والسعادة وبأنك اقوى رجل في العالم، حتى أن البعض يشعر في عقله الباطني أنه كسب ذلك المال، كونه استطاع الدفاع عن نفسه، في الحقيقة هو حافظ على ما هو أصلا ملك له ولم يغنم شيئا جديدا.
إن كان ذلك يغيظ أصحاب النظريات الأخرى يمكن الذهاب إلى مساق آخر، فمثلا تعاني الدولة من عجز مالي ودين منذ عشرات السنين، فهل حاول أحدهم إصلاح ذلك، النتائج تؤكد أن كلمة لا تتصدر الموقف، تم الإعلان عن عشرات البرامج والاستراتيجيات، حكومية وحتى من القطاع الخاص بما يتعلق بالسياحة وجلب الاستثمارات هل حقق أحدهم ذلك؟ لا.
إذا كان الحال يحتاج مزيدا من التوضيح يمكن العودة سريعا لقرارات اتخذتها حكومات سابقة ترأسها أشخاص مثل علي أبو الراغب ومعروف البخيت وغيرهم، ولكي يكون الإنصاف موجودا دائما علينا قراءة الأيام والسنين القريبة عندما كانت السياسية البحتة تدخل بدون ميعاد في شؤون الدولة وإن لم تكن تحدث أضرارا اقتصادية آنذاك فهي وضعت اللبنة الأولى لذلك.
على سبيل المثال في 1999 تم تكليف عبد الرؤوف الروابدة ليكون رئيسا للوزراء وكما أسلفنا سابقا أن التفاصيل لا تعني هنا حدثت مشكلة شقاق ونزاع، بالمناسبة أنا أتحدث عن نفسي كنت في ذلك الوقت صحفيا متواضعا في «العرب اليوم» اشتعلت المعركة وبات الند يرسل لمقابله ما يستطيع، استعرت تلك الفقرة لسبب بسيط يمكن بشكل عادي أن يستعرض مسار الدولة والإعلام وكم كان ذلك يرغب وكم كان مقابله يريد.
في كل الأحوال تلك كانت حقبة صعبة وأعرف أن الكثيرين سيلومنني لتجنب التفاصيل، لكنها تتحدث عن حالها، فمن يبحث عن حرية في الإعلام عليه أن يتصفح الصحف الورقية، ومن يرغب بتطوير مهاراته عليه أن يجد نقابة الصحافيين، أما من يريد أن يفارق هذه الحياة المقيتة فعليه ألا ينظر للخلف لعل الأمور تتغير.