منعطف أمام أزمة "الإخوان" المتدحرجة

    يبدو أن الأزمة الداخلية في جماعة الإخوان المسلمين، وذراعها السياسية حزب جبهة العمل الاسلامي، في طريقها للتعمق، والانتقال إلى مرحلة جديدة من الشروخ، التي لم تعد الحركة بقادرة على اخفاء معالمها او تغطيتها، ما يفتح الباب على توقع تداعيات وتطورات قد تصيب جسم هذه الحركة، التي لا يختلف اثنان على أهميتها ومحوريتها في الحياة السياسية الأردنية، بغض النظر عن الاختلافات السياسية والفكرية معها.


سبق أن مرت الحركة الاسلامية (الاخوان المسلمون اساسا)، عبر العقدين او الثلاثة الماضية، بخلافات سياسية وتنظيمية، لكنها بقيت محدودة نسبيا، لم تصل الى العمق، وتمخضت، في الغالب، عن خروج قيادات من الصف الأول أو الثاني، من دون أن يتمكن هؤلاء من تشكيل حالة بديلة، او حتى منافسة، للحركة الام. ويلاحظ ان اغلب تلك المحطات الخلافية داخل الاخوان تزامنت وترافقت مع انتخابات نيابية أو عروض بتوزير إسلاميين بحكومات، أو بمراحل كان يشتد فيها الصراع مع الحكومات.

من عدم الإنصاف أيضا، إنكار وجود رغبات وأيد رسمية في استغلال وإذكاء خلافات سابقة، وربما في بعض الحالية ايضا، لكن المقتل الأساسي، إن لم يكن الوحيد، لحركات مخالفي قيادة الجماعة، كان دائما بوجود الرغبات والأيدي الرسمية في خلفية المشهد.
أما اليوم، فإن الازمة المتدحرجة داخل الحركة تبدو أكثر تعقيدا وتشعبا، ولا يمكن لتفسير الاستهداف الرسمي للحركة وخطها المعارض، أن يقدم الصورة الحقيقية للازمة، بل يمكن القول بثقة إن الدخول الرسمي على خط الأزمة، الذي يمكن تلمسه بوضوح في قصة الترخيص الرسمي للجمعية الجديدة، قد تراجع، أو خفت عزمه عن بداياته، وكأن لسان حال الجانب الرسمي يقول "إن ترك الخلافات الداخلية للإخوان للتفاعل ذاتيا هو أمر أجدى من التدخل الخارجي".

أبرز تجليات الأزمة الداخلية، وربما أكثرها تأثيرا على القيادة الحالية، الموسومة بـ"الصقورية"، هو في ما وصله تحرك ما بات يعرف بفريق "الحكماء"، والذي يضم أسماء وقيادات تاريخية للإخوان، كانت نأت بنفسها عن المشاركة بكل التحركات السابقة، ضد قيادة الجماعة، بما فيها تحركات "زمزم"، وأخيرا الجمعية المرخصة.

مبادرة "الحكماء"، المعروفة بـ"الشراكة والإنقاذ"، وصلت، كما أعلنت قياداتها، إلى طريق مسدود، في التوافق على نزع فتيل الأزمة الداخلية للجماعة والحزب، لذلك فإن أصحابها يتوجهون اليوم إلى إنشاء كيان سياسي، سيكون على الأغلب حزبا سياسيا، بعد أن بات خيار استقالة مؤيدي المبادرة من عضوية حزب الجبهة، مع البقاء في الجماعة، هو الأكثر احتمالا.

أهمية وخطورة مبادرة "الشراكة والإنقاذ"، التي أعلنت فشل جهودها بإقناع قيادة الجماعة بإعادة تشكيل الهيئات التنفيذية في كل من الجماعة والحزب، للخروج من الازمة، هي في شخصيات القيادات التي تتصدرها، وعلى رأسهم عبداللطيف عربيات وسالم الفلاحات وحمزة منصور وجميل أبو بكر، وغيرهم، ممن تمسكوا على مدى السنوات الماضية بخط التوافق الداخلي بين تيارات الحركة، وعدم شق عصا الطاعة على التنظيم، ما أفقد كل تحركات الآخرين الزخم المطلوب لتشكيل حالة انشقاق أو انقسام حقيقية.
قد يصعب التكهن بمآلات حالة فقدان الأمل والإحباط، التي يشعر بها قادة مبادرة "الإنقاذ" تجاه قيادة الجماعة والحزب "الصقورية"، وتحديدا في تأثيرها على جسم الجماعة الرئيسي، لكنّ أسبابا عديدة، على رأسها طبيعة وأهمية شخصيات المبادرة، وترافق هذه التحركات وتأثرها بالمخاض العسير الذي يشهده الإسلام السياسي والإخوان المسلمون، تحديدا في مصر وسورية، تدفع المراقب لتوقع أن يكون لتحرك "الحكماء" هذه المرة آثار عميقة على الجماعة في الأردن.