نتنياهو «صَفَعَ» أوروبا.. فأدارت له «خدّها» الأيسر!

التلعثم الذي ابداه الاتحاد الاوروبي وحال الضعف التي تجلت في تصريحات فديريكا موغريني وزيرة خارجية الاتحاد، حول صفعة نتنياهو بـ «تعليق» دور اوروبا في عملية السلام، يعكسان, ضمن امور اخرى، عبث الرهان العربي وخصوصاً الفلسطيني على دور جاد وحقيقي وصادق لأوروبا في وضع حد للاحتلال الاسرائيلي او حتى مواصلة الالتزام بالأهداف التي وُضِعت كي تنهض بها اللجنة الرباعية التي تم تشكيلها في العام 2002 وضمت «كبار» العالم مثل الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الاوروبي اضافة الى الأمم المتحدة، ما اثار حماسة عربية وفلسطينية بدت وكأنها «تَزُف» الى العرب والفلسطينيين, بأن زمان «العدل» قد اطل وأن «كبار العالم» قد استيقظت ضمائرهم وان عصر التوسع الاستعماري الصهيوني قد انتهى.
طبعاً كان ذلك مجرد اضغاث احلام، على غرار تلك التي طالما تَوَهّم - عرب اليوم - كما عرب الأمس - بأنها سائرة نحو التحقق، فاذا بالهزائم تتوالى والانكسارات تتعاظم اكلافها والخيبات تتراكم افقيا وعاموديا, في الوقت ذاته الذي كان سرطان الاستيطان ينتشر في تلال الضفة الغربية بتسارع ويُصبح تهويد القدس وتطويقها بالمستوطنات, امرا واقعا يكاد «الواقعيون» في السلطة الفلسطينية كما العرب الذين ظنوا ان مبادرة السلام العربية المطروحة منذ اربعة عشر عاماً تقريباً، مرشحة للقبول من طرف الصهاينة - يسارهم واليمين -.. يكاد هؤلاء ان يُسلّمِوا بأن من الحكمة السياسية المحمولة على موازين القوى المختلة منذ ستة عقود ونيف القبول بالأمر الواقع, لاستحالة «ترحيل» نصف مليون مستوطن باتوا في معظمهم يتجمعون في الكتل الاستيطانية، التي «تُصّر» اسرائيل على ان تبقى جزءاً منها في اي حل مقبل، اياً كان شكله, وما اذا كان تبادل الاراضي سيكون بـ «مِثِلِ» نسبة وجودة الاراضي المُقامة عليها تلك الكتل الاستيطانية، فضلاً عن المصير الذي سينتهي اليه «حق العودة» في التسوية المعروضة اسرائيلياً وبضغط اميركي (بدعم عربي مُعلن) على السلطة الفلسطينية, فيما يُدير نتنياهو ظهره لأي اقتراح أو «أفكار» أميركية بل «كيرية» نسبة الى جون كيري.
ماذا عن الرباعية وخصوصاً الاتحاد الأوروبي؟
ليس من دور يذكر وخصوصاً في عهد رئيسها بائع الاوهام وتاجر الصفقات المشبوهة والمستشار السياسي والمالي للأخ قائد الجماهيرية العظمى، توني بلير، الذي لم يكن ذات يوم معنياً بمهمته بقدر ما كان حريصا على خدمة مصالحه الشخصية ونيل الرضى الاسرائيلي. الموقف الاميركي كان اكثر المواقف وضوحاً، جهوده كلامية ونتاجها المزيد من الانحياز لاسرائيل مبرراً حروبها على قطاع غزة بأنها دفاع عن النفس وما تقارفه آلتها العسكرية مجرد رد على «ارهاب» الفلسطينيين، ودائماً في التعبير عن «القلق» من استمرار عمليات الاستيطان ومصادرة الاراضي، فيما «بان كي مون» يواصل اطلاق تصريحاته الفارغة ولكن المنحازة لإسرائيل ايضا وروسيا تُبدي حرصا على الموازنة في موقفها لاسباب تتعلق بمحاولتها تعزيز حضورها السياسي والدبلوماسي، ودوراً مأمولاً يستند الى نفوذ حقيقي لم تبلغه بعد..
اما الاتحاد الاوروبي فلم يغادر مربع الضعف والتبعية للدور الاميركي والنفاق للدولة الصهيونية، ولم يخرج بأي موقف أو رأي له بُعد أخلاقي أو سياسي سوى اطلاق المزيد من التصريحات المتهافتة المضمون, الى ان تَمَخّْض موقفه عن اجراء لا تأثير جديا له على اسرائيل(وَسْم منتجات المستوطنات)، وان كانت حكومة الاحتلال ابدت غضبا وامتعاضا ترافقا مع هجمة اعلامية لاذعة، كانت في «صُلبِها» اسطوانة معاداة السامية الآخذة في الاتساع داخل اوروبا، على ما يواصل الاسرائيليون الزعم بهدف الابتزاز وتذكير الاوروبيين بماضيهم «النازي» ضد اليهود.
الى أين من هنا؟
نتنياهو أعلن «تعليق» دور اوروبا في «عملية السلام». وإذ ليس هناك أي عملية من هذا القبيل, فان القرار الاسرائيلي لا يعدو كونه عربدة وصفعة للاتحاد الاوروبي, الذي رأى في وسم منتجات المستوطنات في الضفة الغربية (وليس في القدس بالطبع) عقاباً خجولاً لإسرائيل, لكن الأخيرة غضِبت عندما التقى نتنياهو بموغريني فقد «لجأت» وزيرة الخارجية الأوروبية الى النفاق والتملق بالقول أمام رئيس حكومة اليمين الفاشي في إسرائيل: العلاقات بين الاتحاد الاوروبي واسرائيل، جيدة وعميقة وواسعة وسيستمر هذا. بل ان ما يثير السخرية قولها: بالنسبة لعملية السلام في الشرق الأوسط، فإن الاتحاد الأوروبي، سيواصل العمل بهذا في اللجنة الرباعية، مع «شركائنا»، من الجانبين، لأن السلام في الشرق الأوسط من مصلحة المجتمع الدولي ككل بالطبع، ختمت المسؤولة الأوروبية الكبيرة.
هل ثمّة شيء اسمه الرباعية الدولية.. بعد؟
إسألوا اليونان والمجر وحزب السيدة انجيلا ميركل في المانيا الذين «رفضوا»الالتزام بقرار البرلمان الاوروبي.