عقابيل المواجهة مع السلفيين
تصدر أتباع السلفية الجهادية التكفيرية المشهد السياسي الأردني خلال الأيام القليلة الماضية، وصولا إلى جمعة الدم التي شهدتها محافظة الزرقاء أمس الأول، وسقط فيها عشرات الجرحي، واعتقل قرابة المئتين من اعضاء هذا التيار.
تظاهر السلفيين التكفيريين، واعتصامهم في الزرقاء، بعد أن جمعوا أكثر من ثلاثة آلاف متظاهر من مختلف المحافظات الأردنية، في حين أن جماعة الإخوان المسلمين، وعددا من أحزاب المعارضة الأخرى، جمعوا بالكاد ألف وخمسمائة متظاهر في العاصمة عمان، أظهر قدرة السلفيين على الحشد الجماهيري، بخلاف النظرة السابقة التي ترى في هذا التيار أنه يضم نخبا لا جماهيرية لها.
كما أن الإعتصام في أحد أهم معاقل السلفية التكفيرية، التي خرج منها أبو مصعب الزرقاوي، ليقود تنظيم القاعدة في العراق قبل مقتله سنة 2006، بواسطة طائرة اميركية، ومساعدة أمنية اردنية، قدم تبريرا مهما للسلطات الأمنية الأردنية، كي تقدم على استخدام القوة، بعد أن كانت تراجعت عن هذا النهج، بطلب من القيادة السياسية، جراء انزعاج اميركي من امرين:
الأول: استخدام القوة ضد المتظاهرين السلميين.
تؤكد مصادر أن واشنطن أبلغت عمان، أنها لا تستطيع الدفاع عنها في حالة استخدام القوة بحق متظاهرين سلميين.
الثاني: التجييش الإقليمي الذي يستهدف التحريض ضد الأردنيين من أصول فلسطينية، وتحميلهم مسؤولية التظاهر المطالب بالإصلاح، بغية توظيف التطورات لإقامة الوطن الفلسطيني البديل في الأردن..!
المصادر تقول إن واشنطن حذرت من أنها لا تستطيع قبول ذلك، وحذرت من مواصلة هذا النهج، الذي تجلى في الصدامات التي جرت في دوار الداخلية، قد تكون عظيمة على الدولة الأردنية.
وتضيف المصادر أن التحذير الأميركي تجاوز لغة الخطاب المعتادة بين الجانبين.
غير أن الأمن الأردني لم يكن بمستطاعه تجاهل مسيرات السلفيين التكفيريين، وذلك لجملة اسباب منها:
أولا: تواصل مسيرات السلفيين خلال الأسابيع الماضية، التي بلغ عددها سبع مسيرات، وهو أمر غير مسبوق في الأردن.
ثانيا: عدم توقف هذه المسيرات، بعد أن لبت السلطات الأردنية أحد مطالب السلفيين القاضي بإطلاق سراح ثلاثة معتقلين من ابناء هذا التيار، على أساس عدم الإعتصام في دوار الداخلية يوم الثلاثاء الماضي. ولضمان الإلتزام، اضافت السلطات الأردنية رابعا تم اطلاقه إلى جانب الثلاثة المطالب بهم.
الذي حدث هو أن التيار السلفي أجل فقط اعتصامه من الثلاثاء إلى الجمعة، ونقل مقر الإعتصام من العاصمة إلى الزرقاء.
ثالثا: إظهار السيوف والسكاكين والخناجر بحوزة المتظاهرين السلفيين، وقد أظهرت الصور المنشور أحد أقطاب السلفيين يحمل سكينة طويلة بيد، وميكروفون يلقي بواسطته كلمته باليد الأخرى.. ما اعتبر تهديدا غير مقبول لقوات الأمن.
رابعا: حدة الشعارات التي تم الهتاف بها، خاصة وأن التيار السلفي لا يعترف بنظام الحكم القائم في الأردن، ويكفره.
كل هذه الأسباب جعلت الإشتباك أمرا لا بد منه.
ولكن كيف حدثت المجريات..؟
هنالك روايتان..
الرواية الرسمية:
عرضها الفريق حسين المجالي مدير الأمن العام، في مؤتمر صحفي عقده ليلة الجمعة، يقول فيها:
1. إن "النية كانت مبيتة لدى السلفيين لتوريط الأمن وجره إلى موقعة دامية"، "ودلالة ذلك طريقة انتشارهم وحراستهم للموقع، حيث حاولوا استفزاز الأمن، إلا أن رجال الأمن مارسوا سياسة الإنضباط والإحتواء".
2. أن اعتصام التيار السلفي أمام مسجد عمر بن الخطاب في الزرقاء انتهى دون حدوث مواجهات، وذلك بفضل الحراسة الأمنية التي توفرت في المكان.
3. أن السلفيين الذين شاركوا في الإعتصام غادروا المكان بسلام، لكنهم، "وبعد أن ابتعدوا عن موقع الإعتصام بحوالي الكيلو متر، تهجموا على المواطنين وقد كانوا يحملون اسلحة وخناجر وسيوف وقضبان حديدية لشد اليافاطات التي رفعوها"... "كما أنهم كانوا يحملون اسلحة داخل سياراتهم".
4. "بعد خروجهم أثاروا حفيظة مواطنين كانوا في الشارع، وحصل الإعتداء عليهم بعد ملاسنات.. وهنا إضطر الأمن للتدخل لحماية المواطنين والمعتصمين دون الإلتفات لأي فكر يحمله أي مواطن".
رواية السلفيين:
وقد وردت على ألسنة عدد من قيادييهم، وهي تورد النقاط التالية:
1. تجمع عدد من البلطجية في ذات المكان المقرر لاعتصام التيار السلفي وهم يحملون الحجارة والعصي والأدوات الحادة مثل المشارط.
2. أقدم هؤلاء البلطجية على التحرش بالمعتصمين، عبر شتمهم وتوجيه كلمات نابية لهم، دون أن يرد المعتصمون عليهم، الذين غادروا مكان الإعتصام الذي دام لمدة ساعة واحدة، أعقبت صلاة الجمعة، بواسطة سيارات النقل الجماعي التي جاؤا بها.
3. لدى وصول الباصات إلى دوار الشرطة، على مسافة كيلو متر واحد من مكان الإعتصام، تم الإعتداء من قبل بلطجية على الباص الأخير الذي كان يقل قرابة الثلاثين معتصما، أي أقل من حمولة بقية الباصات، حيث كان البلطجية نصبوا هناك كمينا للمعتصمين..
الإعتداء تم بواسطة الرشق بالحجارة، وبالتزامن أطلقت قوات الأمن العام القنابل المسيلة للدموع.
ويؤكد أحد اقطاب السلفيين أنه شاهد بأم عينه رجال الأمن العام يقذفون الحجارة على المعتصمين".. معتبرا أن ما حدث "مؤامرة مدبرة بين الأمن والدرك والبلطجية الذين تم شراءهم بدراهم معدودة".
بغض النظر عن تضارب الروايتين، فإن النتيجة الأساس لما حدث تتمثل في إعلان مواجهة مفتوحة بين الأمن والسلفيين في الأردن..
أدوات ووسائل الأمن تتمثل في الإعتقال، والإحالة للمحاكم، وها قد تم خلال أقل من 24 ساعة على المواجهة، اعتقال قرابة المئتين من السلفيين التكفيريين، في مقدمتهم أبرز رموزهم.. عبد الشحادة (أبو محمد) الطحاوي، والدكتور سعد الحنيطي. والأخير كانت تعرضت سيارته، حين كان يقودها، قبل اعتقاله لإطلاق نار كثيف من قبل مجهولين، أثناء قيادته لها.
في هذا السياق تم اقتحام عدد من رموز التيار في السلط، من بينهم منازل جراح الرحاحلة، وجيرانه مالك أبو رمان، وعلي الحياري.
وقد رافقت بعض الإقتحامات خشونة زائدة عن الحد، وهو ما لوح به مدير الأمن العام في مؤتمره الصحفي.
تفجيرات مقبلة..!
أما وسائل السلفيين التكفيريين، فهي التي تثير رعب المجتمع ككل..
وقد لوح أحد اقطابهم (النعيمي) قائلا "تحركنا سلمي، وإلا فإننا سنقوم بخطوات لحماية انفسنا وايقاف الحملة علينا"..!
ما الذي يمكنهم فعله..؟
المختصون في شؤون الحركات السلفية، يعتقدون أن التيار السلفي، ما دام يتعرض لكل هذا الكم من التنكيل، فإنه سيلجأ حتما إلى تفعيل خلاياه العسكرية النائمة..
ويستدعي ذلك، استعدادات أمنية عالية المستوى لحماية أمن الأردن من تفجيرات أصبحت متوقعة ومنتظرة..
أصبح اللجوء الحكومي لاستخدام العنف مبررا، من وجهة نظر القطب الأميركي للمجتمع الدولي. ويبدو أن الأمر سيتوقف حكوميا عند هذا الحد، دون تجاوزه إلى التجييش الإقليمي بين مكونات المجتمع الأردني.
مواجهة السلفية التكفيرية يفترض أن يكون كافيا لتحشيد التأييد الشعبي للنظام، وتحقيق الهدف، دونما حاجة إلى تحشيدات أخرى، لا يقرها المجتمع الدولي، والدول المانحة.