العوامل التي بددت حلم السلطان !

في منتصف القرن التاسع عشر اطلق قيصر روسيا نيقولا الاول على الامبراطورية العثمانية لقب « رجل اوروبا المريض «، بعدما أنهكها الضعف واصابها الوهن وانتشر في قلبها واطرافها الفساد، ولحقت بسلطة الباب العالي سلسلة من الهزائم، وهو الواقع الذي شجع الدول المعنية بتقاسم التركة العثمانية. ولكن الرياح جرت عكس ما تمناه القيصر، فتحالفت تركيا مع الدول الاوروبية في حرب ضد روسيا هي حرب القرم، التي كانت من نتائجها هزيمة جيوش القيصر، الا أن الدول الاوروبية قامت في وقت لاحق بتقسيم املاك الامبراطورية العثمانية المريضة.

يبدو اليوم، وفي ضوء التطورات في المنطقة، أن الرئيس اردوغان، حامل أختام السلطان واحلام الامبراطورية العثمانية، قرأ التاريخ بطريقة خاطئة، فسوريا ليست رجل العرب المريض، فقد صمد جيشها أطول واكثر من كل توقعات تركيا والتحالف الغربي، كما ان الرئيس بوتين المستفز المستنفر الى آخر مدى، ليس القيصر نيقولا الاول. لذلك اعتقد أن الرئيس التركي هو ضحية حساباته الخاطئة واحلامه الواهمة، التي قادته الى مواجهة بين « السلطان والقيصر» مجددا، لأن التاريخ لا يعيد نفسه، كما لا يمكن عبور مياه النهر ذاته مرتين.
والمتابع لتطورات المشهد يلاحظ دون عناء مدى ارتباك السياسة التركية في الداخل والخارج، بعد اسقاط طائرة السوخوي الروسية، وفي ضوء نتائج اجتماع حلف الاطلسي وموقف معظم الدول الاوروبية تجاه الازمة التي خلقتها تركية مع روسيا، خصوصا بعد العملية الارهابية التي ضربت قلب باريس. أرى ان الرئيس التركي اردوغان، في أسوأ حالاته اليوم، وهو يتخبط في موقفه وفي تصريحاته المتضاربة المتخبطة.
الحقيقة ان الموقف التركي يراوح بين هبة ساخنة وهبة باردة، فمرة يتقدم خطوة الى الامام فيعلن اردوغان انه حزين بسبب اسقاط الطائرة ويدعو الى حل الازمة، ومرة يتراجع خطوتين الى الوراء فينصح روسيا ان لا تلعب بالنار! ولكن الحقيقة ان اردوغان يقف وحده الان وسط الحلبة عاريا من اي تعاطف او دعم من الحلفاء، وهو الذي غامر بكل إنجازات عهده بتورطه بالحرب داخل سوريا واقترابه من النار اكثر، بل هو الذي يلعب بالنار، حين ارتكب حماقة اسقاط الطائرة الروسية، وفتح حدوده السالكة على المسارين أمام تسلل المسلحين وتهريب السلاح والنفط.
الرئيس التركي يحصد اليوم أشواك الشرور التي زرعها، فهو لم يحارب الارهاب بل دعم التنظيمات المتطرفة بكل الوسائل، لغرض في نفس السلطان، وعندما اعلن أردوغان انضمامه الى التحالف في الحرب على الارهاب، قصد التمويه والتضليل، لأن طائراته كانت تقصف مواقع حزب العمال الكردي فحسب، وقد جاءت عملية اغتيال نقيب المحامين في ديار بكر الناشط الكردي طاهر ايلجي، تثير المزيد من التوتر والانقسام في الساحة الداخلية التركية.
اما بالنسبة للاجراءات الروسية ضد تركيا فلها حسابات اخرى مختلفة، لأن اسقاط طائرة السوخوي اعطى موسكو ذريعة لنصب منظومة صواريخ «اس - 400» في سوريا لحماية الاجواء السورية كاملة، كما دفعها الى فرض عقوبات اقتصادية على تركيا، منها وقف الرحلات السياحية الى الاراضي التركية، اعادة العمل بنظام التاشيرة، تشديد الرقابة على السلع التركية، منع الشركات الروسية من توظيف الاتراك، وقف اي اتصال او تنسيق مع الحكومة التركية.
الثابت حتى الآن ان الرئيس التركي اردوغان (الحزين ) خسر المعركة، وفشل في ادارة الازمة مع روسيا، واساء لصورة تركيا في الداخل والخارج، وتسبب باضرار كبيرة اصابت الاقتصاد التركي، كما احرج حلفاءه، الذين يضغطون اليوم على الحكومة التركية لاغلاق حدودها بالكامل امام حركة التنظيمات الارهابية.
وأخيرا نقول أن تماسك جيش ومؤسسات الدولة السورية العصية على التفكك، ونار السوخوي، وموقف الرئيس بوتين الصلب الغاضب، والذي اثبت أنه ليس القيصر نيقولا الاول، كل هذه العوامل، بددت حلم السلطان واطماعه في شمال سوريا.