حراك السلفية الجهادية في شوارع الاردن: خدمة مجانية لحكومة تبحث عن 'خصم' من المتشددين

اخبار البلد-  كان يمكن للحكومة الاردنية المثقلة بالهموم والملفات ان تستغني ولو مؤقتا عن ازمة في الشارع مع القوى السلفية الجهادية التي تبين انها ليست بسيطة او سهلة في المجتمع لو انها - اي الحكومة - تعاملت بحكمة وبعد نظر مع جماعة الاخوان المسلمين التي كانت دوما حاضنة للاستقرار ومؤسسة لاحتواء التطرف والتشدد قادرة دوما على حماية الجميع من الغلو الديني.
وعمليا لم تكن وزارة الرئيس معروف البخيت مضطرة لمشهد انصار السلفية وهم يحملون السكاكين في مواجهة من يرشقونهم بالحجارة بالشوارع في مشهد مرعب بلا شك السبب الرئيسي فيه الاصرار على اقصاء وابعاد قادة الحركة الاسلامية المعتدلين مرة بتزوير الانتخابات ضدهم ومرة بمنع خطبائهم الذين لاحظ الشيخ حمزة منصور امام 'القدس العربي' بأنهم يستبدلون ببعض التكفيريين.
وعلى اساس المشهد الذي احتفلت به الفضائيات في شوارع مدينة الزرقاء الاردنية الجمعة الماضية يمكن القول ابتداء ان الانسداد السياسي والاصلاحي يصنع في المحصلة مشاهد مماثلة وان لدى الحكومة التي سبق لها ان قمعت اعتصامات سلمية مسيسة وبرامجية الآن خصما او عدوا جديدا في الشارع لا تحتاج لاخافة المجتمع منه، فالاردنيون على المستوى الشعبي يرفضون العنف دوما وابدا لكن غالبيتهم يؤيدون الجهاد في العراق وفلسطين وافغانستان.
وهذا الخصم مناسب جدا لاعادة انتاج التشدد الامني خوفا من الانفلات في خدمة سيقدمها السلفيون الذين ظهروا في شوارع الزرقاء مجانا لخصوم الاصلاح والتغيير في البنية الاردنية وقد بدا واضحا بان الرئيس البخيت يسعى لتوظيف المشهد سياسيا وهو يبشر الجميع بأن سياسة القبضة الخشنة ستواجه من يروعون المجتمع باسم السلفية التي خرجت بالمقابل لاسباب غامضة من معزلها وبدأت تستعد للمشاركة في الجهد السياسي بالشوارع.
وحتى الآن لا احد في عمان يعرف بصورة محددة لماذا قرر السلفيون تجريب حظهم في الحراك السياسي وتنظيم الاعتصامات، او لماذا ظهروا بمظهر الخشونة في الصور التي التقطت لهم في اعتصام يفترض انه سلمي وظهر فيه السلفيون يحملون السكاكين وان كانوا قد قالوا بانهم دافعوا عن انفسهم من بلطجية اشبعوهم رشقا بالحجارة؟.
ولا توجد نظرية سياسية متماسكة تقدر الاعتبارات التي حركت السلفية الجهادية ودفعتها لاستعراضات سياسية على طريقة الاحزاب الشرعية مع انها لا تعترف اصلا كحزب التحرير بالنظام وتشريعاته.
لكن ما يتسرب من منظري وقادة الجماعة يشير الى ذرائع محددة يستخدمها السلفيون لتبرير الخروج سياسيا ابزرها سلسلة طويلة من الاهانات والمعاملة القاسية عند الاستجواب وداخل السجون وحرمانهم من زيارات السجن العائلية ومنع دمج احكامهم ومطاردة حتى التبرعات التي يرسلها البعض لاطفالهم وزوجاتهم.
ومن الواضح ان مآخذ السلفيين على السلطة الامنية في التعامل القاسي مع سجنائهم وحرمانهم بعد العقوبة من العمل والوظيفة وكثرة التوقيفات والاعتقالات قديمة في الواقع وليست جديدة مما يرجح ان محركي الانتفاضة السلفية التي فاجأت الجميع شعروا بان قوة الدولة تنقص وبانهم يستطيعون ركوب موجة الاعتصامات وتحقيق مكاسب سياسية ولوجستية تخص 200 من انصارهم ما زالوا في السجن.
وهذا السلوك الذي لا يخلو من الانتهازية مارسته في الواقع الكثير من القوى السياسية وحتى التقليدية الموالية للدولة وللنظام في الاسابيع التي اعقبت ثورات تونس ومصر.
سلفي جهادي في الشارع بمطلب سياسي مشهد جديد تماما على الوعي الاردني وعلى الساسة الاردنيين.
مكان السلفي الجهادي بالنسبة لرموز وادوات الحكم والادارة اما السجن او المراقبة في الازقة والاحياء الفقيرة بعد الخروج من السجن.
ومكانه بالنسبة للمواطن العادي فوق الرأس اذا قاتل ضد الامريكيين في العراق او الاسرائيليين في فلسطين ولا مكان له اطلاقا وسط المجتمع اذا حمل السلاح داخل البلاد .
اما الحكومة فهي محتاجة جدا لخصم من هذا الطراز حتى تبطىء اكثر عملية الاصلاح وتبرر منع وقمع الحراك السياسي رغم انها غضت الطرف تماما عن ظاهرة البلطجية الذين عاثوا في الاعتصامات فسادا في اكثر من مناسبة.
وسط هذه التقاطعات والتناقضات ظهر السلفيون الجهاديون في الشوارع مستغلين بوضوح غياب العمق والحكمة عن سياسة الحكومة في التعاطي مع حركة الاخوان المسلمين، وظهروا ليبرهنوا دون قصد طبعا مقولة وزير الخارجية الاسبق صلاح البشير عندما قال: من لا صوت له في الصندوق سيصوت في الشارع.