في ذكرى استشهاده: وصفي التل شهيد يتجدد بحضور الفكرة والمبدأ
اخبار البلد - لم يكن عابرا على الحياة السياسية الأردنية؛ فترك بصماته الخالدة في سجل الوطن في كل المواقع التي شغلها، إعلاميا ودبلوماسيا وسياسيا، ولعله المتفرد بالصفات، حتى يكاد لا يُنسى عند استحضار صفات رجال الدولة.
قومي الهوى؛ هكذا أعلنت عنه بداياته، فمن كردستان العراق مولدا، إلى إربد طفلا، إلى عمان إلى دمشق، خاض الشاب وصفي حياته مشتبكا مع نكبات أمته، التي أثّرت في صقل شخصيته واهتماماته.
بدأ وصفي التل مشواره المهني في سلك البيروقراطية الأردني، حافرا بصماته في مواقع ودوائر، أضاف عليها شيئا كثيرا من الهوية الوطنية الجامعة، ففي مرحلة غذى وصفي بأفكاره خطاب التوجيه الوطني، عندما تسلم هذه المهمة التي جعلته يعبئ الرأي العام، بخطاب وطني في زمن كانت فيه العلاقات الأردنية العربية تشهد منعطفا خطيرا.
ومن هناك، نهض وصفي بمهامه الدبلوماسية سفيرا للأردن في عدد من الدول، مضيفا على المهمة طابعه الخاص، عندما اشتبك مبكرا مع تقديم موقف المملكة من القضايا العربية، وصميم موقفها من القضية الفلسطينية.
لعل وصفي التل كان أول رئيس للوزراء يأتي في عهد الراحل الملك الحسين، ولم يسبق له أن تسلم حقيبة وزارية، فدخل على أعلى منصب رسمي حاملا أوراقه وصانعا فكرا جديدا في نهضة العمل البيروقراطي الإصلاحي، طارحا خطا مختلفا في مسير العمل العام.
ووصفي، الذي شكل ثلاث حكومات أردنية، خصص في حكومته الأولى، حيزا واسعا للفكر التنموي، الذي ابتكر فيه أول فكرة صنعتها حكومته، وتضمنت إقرار الخطط الخمسية للتنمية وتحسين الظروف الاقتصادية، واستمر على نهجه تاركا علامة فارقة مع أقرانه في النهوض باقتصاد وطني ذي هوية، حالما بأن يستقل الأردن ليس عن الاستعمار الإنكليزي بل عن استعمار التبعية الاقتصادية.
في حكومته الثالثة والأخيرة، التي أقفلها التل بقصة بطولة وشهادة، وجد نفسه على أعتاب التداخل بين الأمني في قراراته والسياسي في تطلعاته، حاملا مسؤولية وضع حد للعبث بأمن الوطن والمواطن، وتهديد الاستقرار الأردني.
حمل أوزار المرحلة مكرسا مفهوما جديدا في أن الأولوية الوطنية في ضبط الأمن والسلم الأهلي تتقدم على باقي الأولويات، داخلا في أتون من الاتهامات التي جردته من نقاء قوميته، وهو الشخص الذي حمل فكرا قوميا ثوريا، جعل من فلسطين قبلة الاهتمام والجهاد، منذ النكبة الأولى.
سقط وصفي التل شهيدا على أعتاب الفكرة والمبدأ، عندما قرر، وبإصرار رجل الدولة، أن لا يخلي موقع وزير الدفاع الأردني في اجتماعات وزراء الدفاع العرب في القاهرة، متجاوزا كل التحذيرات الأمنية، ومغادرا إلى القاهرة التي خصص لها غرفة من غرف قلبه، ليصل الاجتماع ويسقط شهيدا أردنيا كتب بدمائه قصص طهر المقاصد ونبل الأهداف وبناء الشخصية الوطنية الأردنية وهويتها الجامعة. يتذكر السياسيون وصفي، وفي قلبهم غصة، وفي خاطرهم ذكريات بناء الدولة بأيدي أبنائها الشرفاء، الذين ازدحمت دفاتر الوطن بأسمائهم، لكن لوصفي من بينهم صفحة مستقلة كُتبت بلغة خاصة.