فرصتنا بمكافحة الإرهاب والتطرف

حجتنا في الدفاع عن أنفسنا وعن ديننا أمام أي إبداع إرهابي يتفوق به أخوتنا في العقيدة هي القول إن «هؤلاء ليسوا من المسلمين»، فلا الذين فجروا أبراج نيويورك منا، ولا الذين فجروا أنفاق المترو في لندن منا، ولا الذين حرقوا شهيدنا الكساسبة منا، ولا الذين أسقطوا الطائرة الروسية بركابها الأبرياء منا، ولا الذين فجروا في بيروت وقتلوا المسلمين منا، ولا الذين فجروا في الاستاد الرياضي والمسرح في باريس منا، ولا الذين قطعوا رؤوس ثمانية عشر عاملاً مصرياً على شواطئ سرت بليبيا منا ، ولا.. ولا.. ولا الذين سيفجرون ويقتلون في الأيام المقبلة والله أعلم أين؟.. والقائمة تطول.
إخواني الذين يتمسكون بعقلية المؤامرة والتشفي ويذكروننا بتقتيل إخوتنا في فلسطين على يد جيش الاحتلال وعصابات المستوطنين، نقول لهم هذا أبشع صور الإرهاب، كما لا نستبعد فكرة المؤامرة على الشعوب العربية لتدمير مقدراتها، وصرف النظر عن قضيتنا الأولى فلسطين التي لم نشهد لأجلها أي عملية أو اشتباك مع الجيش الإسرائيلي من قبل هؤلاء الذين يرفعون راية الجهاد في باريس ولندن و بروكسل.
الاستعمار والاحتلال وتهديد الأقصى وأية حجة أخرى ليس مبرراً لإرهاب بيروت أو باريس وربما غداً في لندن وموسكو التي لم تبخل جامعاتها على أبنائنا بعشرات آلاف الأطباء والجامعيين بمختلف التخصصات وبالمجان. إن البارومتر الحقيقي لتقييم سلوك أي جماعة أو فئة أو شعب هو ليس ما يدعيه هذا الشعب أو ذاك، بل بما يصدر عن أفراده من أفعال أو أقوال أو تصرفات، مسلسل الإرهاب المعاصر - الذي نتصدر بطولته ونمهر إنتاجه وإخراجه بأيد عربية وإسلامية، وتتوالى حلقاته يتسارع ويكبر ككرة الثلج المتدحرجة والتي حتماً ستسقط أول ما تسقط على رؤوسنا ورؤوس الأبرياء أينما كانوا.
ألم يحن الوقت لمفكرينا و فقهائنا وجامعاتنا ودوائر الدراسة والبحث في عالمنا العربي أن تخرج رؤوسها من الرمال وأن تلتفت إلى أن نسبة قليلة العدد من المتطرفين المسلمين يؤدون الفرائض ويؤمنون بأركان الدين الخمسة يحتجزون الدين رهينة ويفسرونه بناءً على مقولات عرجاء ومنطق مشوه عاجز عن مجاراة سياقات العصر ومتمسك بقاعدة « بقاء ما كان على ما كان»، إن الأمر لا يحتمل الانتظار للشروع بمنهجية إصلاحية تنويرية تتبنى مشروعا حداثيا يتصالح مع الآخرين بدل التمسك بخطوط عرض وطول لتقسيم العالم إلى دار حرب ودار إسلام، فالآية الكريمة تقول: «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً».
أضحت مواجهة الإرهاب الدولي الذي لا دين له أصلاً ويحاول خوارج العصر دمغه بطابع إسلامي مواجهة دولية يجب أن نقف فيها بالصف الأول من خلال استراتيجية شاملة ومدروسة، تتضمن فيما تتضمن العودة إلى المدارس والنظر بالمناهج الدراسية وتنقيتها من الشوائب ومظاهر التخلف، والعودة إلى المساجد و رصد فتاوى التكفير والزندقة واجتثاثها، وإغلاق محطات إذكاء الفتنة وإعادة النظر في التراث الديني وطرح ما هو دخيل بحيث تتم مراعاة السياقات الزمانية والمكانية ونبذ أية أفكار أو استخلاصات مهما كانت قداستها تدعو إلى إقصاء ومحاربة الآخرين لمجرد اختلاف الفكر أو المعتقد، وقد تكون رسالة عمان المركونة في الأدراج وثيقة صالحة للبناء عليها، وقد يحظى الأردن بفرصة الريادة والصدارة لشن حملة مضادة للإرهاب أكثر من غيره نظراً لما يتمتع به الأردن ممثلاً بقيادته الهاشمية المعتدلة وما تحظى به من سمعة دولية وبما تبقى لنا من الاحترام من قبل العالم الغربي الذي لا غنى عنه لأننا ما زلنا نعتمد عليه ابتداءً من نكاشة البابور وحتى جهاز الكمبيوتر الذي يستعمله أصحاب الحقيقة المطلقة لتجنيد المتطرفين والإرهابيين، أو البت بفتاوى من طراز: «دم البرغوث يفسد الوضوء أم لا؟!!».. الأردن بقيادته المعتدلة ورصيده الدولي يمكن أن يقود استراتيجية عربية حكيمة رصينة تتركز على البعد الفكري أولاً ثم البعد الأمني ثانياً.