من أفضال أحمد الجلبي

أما وقد كثر وتعدد المداحون والراثون لأحمد الجلبي، بمناسبة وفاته، فقد استحق علّي أن أدلي بدلوي، وأسدد الدين له. فقلما وجد بينهم من حظي بفضل من أفضاله، كما حظيت أنا وأسرتي. وهذه حكايتي في الموضوع. في الأيام الأخيرة من عهد صدام حسين، فتحت علّي شقيقتي سلوى مكالمة تليفونية. بدأتها بتأنيبي على إحراجها، وتسببي في كثير من المتاعب والمشاكل لها نتيجة نشاطي في صفوف المعارضة العراقية. سألتها كيف؟ قالت بحضورك مؤتمر المعارضة العراقية في واشنطن. أجبتها فورا: كلا. أنا لم أحضر هذا المؤتمر قط. ولكن يظهر أنهم أوردوا اسمي فيها خطأ. «أنت متأكد أنك لم تحضر ولا ساهمت في هذا المؤتمر»؟ «أنا لا أكذب عليك. اطمئني على ذلك». «إذا أنت متأكد، فهاك وتكلم مع أبو أحمد». أدركت حالاً أن سلوى كانت بين مخالب المخابرات العراقية، وأمام ضابط من ضباطها. كلمني أبو أحمد بلهجة مثقفي المخابرات، وبكل أدب مهني. «يا أستاذ خالد، نحن نعرفك ككاتب وطني. وهذه يظهر دسيسة دسوا فيها اسمك ضمن المشاركين مع هذا الحرامي أحمد الجلبي. نحن نحبك ونتمنى لك الخير. ونتمنى أن تترك (الشرق الأوسط) وتصدر جريدتك الخاصة، ونحن مستعدون لتمويلها». «آسف يا أخي أبو أحمد. أنا كاتب، ولا أعرف أي شيء عن مهنة الصحافة وإصدار الجرائد. ولكن شكًرا على العرض».انتهت المكالمة، وتنفست الصعداء. ولا بد أن فعلت مثل ذلك، وأكثر، شقيقتي سلوى، وقد فلتت من قبضة المخابرات، وعادت لبيتها سالمة. والفضل في هذه النهاية السالمة يعود، نعم، لأحمد الجلبي. فقد كنت مدعًوا في الواقع لذلك المؤتمر. وطلب مني إعداد ورقة استشارية في موضوع عن مكافحة الفساد. أعددت الورقة، وجمعت حاجياتي استعداًدا للسفر إلى واشنطن. ولكن لم تصلني تذكرة السفر. اتصلت بالمسؤولين. فقالوا:انس الموضوع. لقد شطب اسمك من قائمة المشاركين. فهمت فيما بعد أن أحمد الجلبي ما أن رأى القائمة حتى شطب اسمي منها. وكان ذلك فضلاً عظيًما على سلوى في نجاتها وسلامتها.ولكن فضل الرجل علي! امتد لأكثر من ذلك. فقد اتصل بي مسؤول عربي كبير، وكلفني بإصدار جريدة المعارضة العراقية، وحدد لي الراتب المناسب لذلك. بعد بضعة أيام سحبت الدعوة. وكان أحمد الجلبي زعيًما للمعارضة، وصاحب كيس الدفع. رحت أتساءل: لماذا ناصبني كل هذا العداء؟ هل لأنني قشطيني من عائلة سنية عريقة؟ ولكنه، رغم طائفيته، كان بين صفوفه كثير من السنة الآخرين. فما السبب؟ آه! الله يلعن سوء الذاكرة.

تذكرت أنني قبل سنوات كتبت في هذه الزاوية كلمة عنه، عددت فيها ذنوبه . ونحن من طبعنا أن ننسى أي شيء، إلا الضغينة والحقد والثأر