الرسـائـل الملكيـة في مـقابـلـة يـورونيـوز


مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين حفظه الله مع محطة يورونيوز الأوروبية في برنامج الحوار الدولي حملت العديد من الرسائل والإشارات والقراءات للعالم وإقليم الشرق الأوسط والوطن على السواء، فقد ركّز الحوار على تبعات الأزمة السورية على الأردن وقضية اللاجئين وتأثيرهم على الإقتصاد الوطني الأردني والحرب العالمية ضد الإرهاب وضد الخوارج والدور الروسي في المنطقة والصراع الإسرائيلي- الفلسطيني وفرص السلام.

فرؤى جلالته الثاقبة للأزمة السورية كانت بضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة بتوافق كل الأطراف السورية على الأرض وبنفس الوقت القضاء على خلايا الأرهاب الموجودة في سوريا والعراق كداعش وأخواتها حيث أنهم وإرهابهم عابرين للحدود، وعلى الجميع سوريين وعرب ومجتمع دولي –وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية كدولة عظمى في المنطقة ولها دورها الفاعل والمؤثّر- إغتنام فرصة وجود روسيا في المنطقة لغايات المساهمة في إيجاد فرص حقيقية للحل السياسي للأزمة السورية، ولروسيا دور محوري في ذلك، حيث تواجدهم بات أمر واقع ولا بدّ للجميع من التعامل معه.
وتطرّق جلالته لقضية اللاجئين السوريين على أرض المملكة والتي باتت مؤرقة على الأصعدة كافة سواء بأعدادهم أو تبعاتهم على الإقتصاد الوطني الأردني أو تأثيرهم على البنى التحتية والإجتماعية والأمن المجتمعي وقضايا أخرى عديدة، إذ وصل عدد اللاجئين على أرض المملكة قرابة المليون ونصف لاجيء، ما يشكّل حوالي 20% من المتواجدين على أرض المملكة، جُلهم أي قرابة 90% أو يزيد خارج مخيمات اللاجئين مما يزيد أثرهم على الإقتصاد الوطني والبنى التحتية، إذ يحتاجون لفرص عمل وباتوا ينافسون الأردنيين في ذلك، والمصيبة الأكبر أن اللاجئين يحتاجوا سنوياً قرابة ثلاثة مليارات دولاراً ولم يوفّر المجتمع الدولي منها أكثر من 28%-35% على مدى الخمس سنوات الماضية والباقي يكون على حساب موازنة الدولة الأردنية وحياة ورفاه المواطن الأردني الذي يتقاسم لقمة عيشه مع إخوانه اللاجئين من سوريا وفلسطين والعراق وليبيا واليمن وغيرها.
والمصيبة الأخرى أن التقارير الدولية تؤشّر إلى أن هؤلاء اللاجئين سيمكثون على الأغلب حوالي 17 عاماً، ما يعني زيادة في المعاناة المالية والإقتصادية للحكومة الأردنية وخصوصاً أن المجتمع الدولي شبه تخلى عن دعمه المادي لهؤلاء اللاجئين إذ لا ينفق عليهم أكثر من ثُلث ما يكلفون الدولة الأردنية، ولهذا فأشار جلالته لضرورة التعامل مع الوضع القائم بحزم إقتصادية وإستثمارية مستدامة لتوفير فرص العمل المؤقتة لهؤلاء من خلال توفير الإستثمارات وخصوصاً أن هؤلاء ينافسون العامل الأردني الذي يعاني أصلاً من البطالة، وتساءل جلالة الملك بإستنكار كيف لنا أن نوفّر فرص العمل للأردنيين والسوريين في خضم تحدّي البطالة الآخذة بإرتفاع مطّرد!
لا بُدّ للمجتمع الدولي من المشاركة بالنهوض بالإقتصاد الوطني الأردني الذي بات ضعيفاً وفق تصريحات جلالته كنتيجة لتبعات الأزمة السورية والهجرات القسرية في المحيط العربي والشرق أوسطي، فأوروبا بدأت تصرخ وتتذمر من نسب يسيرة من اللاجئين الهاربين إليهم وكيف بالأردن الذي يستقبل لاجئين بنسبة أكثر بعشرين بالمائة من سكانه! ولهذا فعلى المجتمع الدولي الإضطلاع بمسؤولياته لدعم حكومة المملكة الأردنية الهاشمية مالياً وإقتصادها لتستمر بتقديم خدماتها الإنسانية للاجئين.
والمطلوب اليوم وقبل الغد أن يساهم المجتمع الدولي في الدعم المالي المباشر عن طريق المساعدات وغير المباشر عن طريق إيجاد الإستثمارات الكافية لتوفير فرص العمل كالمناطق الصناعية وجلب الإستثمارات وتوفير القروض الميسرة للأردن لتعافي إقتصاده ووضعه المالي، والتعويل هنا على مؤتمر المانحين المنوي إنعقاده في المملكة المتحدة في مطلع العام المقبل لغايات أن يحصل الأردن على المنح التي سيتقدم بها لدعم إقتصاده الوطني.
ورَبْط جلالته للأزمتين السورية والعراقية في محلّه حيث داعش كمنظمة إرهابيه وبقية المنظمات الإرهابية في المنطقة وخوارج العصر عابرات للحدود، فهم خطر على الدين أكثر من أي جهة أخرى، حيث يدّعون الإنتماء للإسلام والدين منهم براء لأنهم يسعون لتشويه سمعته داخلياً وخارجياً، فهم الخطر بعينه على الإسلام والمسلمين ويخدمون أجندات خارجية مشبوهة.
أمّا القضية المركزّية للأردن والعرب والمسلمين –قضية الصراع العربي-الإسرائيلي- فأخذت نصيبها من الحوار أيضاً، حيث أن كل ما يجري في إقليم الشرق الأوسط على الجانب الشرقي من فلسطين هو بسببها وبسبب التطرف والإرهاب الديني وإرهاب الدولة الصهيوني وعدم جدّية إسرائيل في إستكمال العملية السلمية، فداعش وغيرها يستغلون هذا الوضع المتأزم في فلسطين والمقدسات الإسلامية للإنضمام إليهم، ولهذا لا يمكن للمعركة العالمية ضد الإرهاب بالإنتهاء إلّا إذا تم حل القضية الفلسطينية سلمياً على أساس حل الدولتين المطروح منذ إطلاق المفاوضات السلمية الفلسطينية-الإسرائيلية.
وتفاؤل جلالته بالخروج بحلول وفرص من كل هذه التحديات كان واضحاً، وإلّا فستبقى المنطقة في جحيم الإرهاب والحلول العسكرية، وإحدى هذه الفرص الوجود الروسي في المنطقة وكذلك التفاهمات الدولية للحلول السياسية للأزمتين السورية والعراقية، والأساس هو حل القضية الفلسطينية.
الخلاصة أن رؤى جلالة الملك وحوارياته مع الإعلام العالمي تُسابق الزمن وتسلّط الضوء على قضايا وتحديات المنطقة وتعطي حلولاً ممكنة وواقعية للأزمات، فما على المجتمع الدولي إلّا أن يستجيب ليحوّل التحديات لفرص على الأرض