الكارثة في فرنسا والحل في سوريا

كانت عشية انعقاد قمة مجموعة العشرين التي استضافتها تركيا واختتمت أمس، مزعجًة جًدا، وهيمنت على أجواء القمة وحضورها، بعد الأخبار السيئة التي توالت من باريس حيث الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت العاصمة الفرنسية وخلفت مئات القتلى والجرحى. وفي الوقت نفسه ألقت هذه الهجمات بظلالها على أجندة القمة، وكذلك اللقاءات الثنائية التي عقدها الزعماء، فملف مكافحة الإرهاب ليس ممكًنا التحرك فيه دون معالجة المشكلة الأساسية وهي الأزمة السورية، وهو ما عبر عنه صدًقا الرئيس الفرنسي بأن هجمات باريس «ُخّطط لها في سوريا»، التي أضحى ارتباطها جغرافًيا وثيًقا بتمدد العمليات الإرهابية ما دامت البيئة الحاضنة لها لم تمس حتى الآن بشكل فعلي. لذلك كان الحراك السياسي طاغًيا على سواه، على الرغم من أن القمة في أساسها قمة اقتصادية، لكن متى كان النمو الاقتصادي ممكًنا في ظل غياب السلم العالمي؛ كما أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في كلمته أمس عندما قال: «إّن عدَم الاستقراِر السياسي والأمنيُمعيٌق لُجهودنا فيَتعزيِز النمِو الاقتصادي العالمي، وللأسفُتعاني منطقتناِمن العديدِمن الأزماِت»، وهو بالمناسبة نفس ما أكد عليه العاهل السعودي في القمة ذاتها التي عقدت العام الماضي في أستراليا بقوله: «لاَيخَفى على الجميِع الارتباُط الوثيق بين الّنمِّو الاقتصادي والِّسلِم العالمي؛ إذ لاُيمكُن تحقيُق أحِدهما دوَن الآخر»؟ ولأن تضخم غول الإرهاب أضحى العدو الأول لكل دول العالم، كان من الطبيعي أن تكون أبرز القرارات التي صدرت من قمة مجموعة العشرين معنية بهذا الهم المشترك، حيث اتفقت الدول المشاركة على أن ازدياد أعمال الإرهاب يقّوض الأمن والسلم الدوليين وجهود تعزيز الاقتصاد العالمي.. وبناًء عليه، قررت عدم ربط الإرهاب بالدين أو الجنسية أو العرق، ومواصلة محاربة الإرهاب بكل حزم من خلال مجموعة إجراءات؛ بينها وقف تدفق أموال الإرهابيين، وأن تحدي الأعمال الإرهابية لا يمكن مواجهته عسكرًيا فقط، لكن من خلال إجراءات متعددة، مثل تعاون أجهزة المخابرات، ومراقبة الاتصالات التي تجري عبر الإنترنت، وأن سوريا مثال للدول التي زعزعت استقرار المنطقة، وعلى المجتمع الدولي التحرك بجدية لإنهاء الأزمة فيها، ومطالبة كل دول العالم بالمساهمة في حل أزمة اللاجئين. وللمفارقة، فإن دولة مثل السعودية ما فتئت تطالب العالم بمكافحة الإرهاب والعمل فعلًيا وفق قرارات توافقت عليها أمس الدول الكبرى، بل إن الملك سلمان جّدد رؤية بلاده في محاربة الإرهاب خلال كلمته أمام زعماء العالم مساء أول من أمس، بتشديده على ضرورة مضاعفة المجتمع الدولي جهوده لاجتثاث آفة الإرهاب وتخليص العالم من شرورها التي «تهدد السلم والأمن العالميين وتعيق الجهود في تعزيز النمو الاقتصادي العالمي واستدامته»، مشيًرا إلى أن الحرب على الإرهاب «مسؤوليُة المجتمِع الدولي بأسرِه، وهَو داٌء عالمي لا جنسيَة لُه ولا دين، وتِجُبُمحاربتُه وُمحاربُة تمويلِه وتقويُة التعاوِن الدولي في ذلك»، كما طالب المجتمع الدولي بالعمل على إيجاد حل عاجل لمعاناة السوريين وفق مقررات «جنيف1»، باعتبار مشكلة اللاجئين السوريين «نتاج مشكلة إقليمية ودولية هي الأزمة السورية .

» يروي أحد المسؤولين الكبار الذين حضروا قمة العشرين العام الماضي في أستراليا، أن عدًدا من الدول الرئيسية الكبرى في المجموعة أصرت على أن تقتصر أجندة اجتماعات المجموعة على الشأن الاقتصادي والتنموي. بالطبع هذه كانت أمنية غير قابلة للتطبيق، فلن يستطيع أحد فصل الاقتصاد عن السياسة، ولن ينمو الاقتصاد في أي دولة بينما التوترات تحيط بها من كل حدب وصوب، ومستحيل أن يستقر العالم وحرائق الإرهاب تشتعل. ما لم تحل الأزمة السورية أولاً، ودون اتفاق العالم على حرب لا هوادة فيها ضد الإرهابيين ثانًيا، فستجتمع قمة العشرين العام المقبل في ألمانيا وخطر الإرهاب يتسع ويتمدد من دولة إلى دولة ومن قارة إلى أخرى. َمن يدري؟ ربما الكارثة التي حلت بفرنسا تجعل الدول الكبرى تفيق من غفوتها في شن حرب حقيقية ضد الإرهاب بقوات على الأرض وليس مواجهة على استحياء كما هو الحاصل حالًيا.