لماذا لا نصدق الرواية الرسمية؟
غالبا ما تصطدم الرواية الرسمية بالتشكيك وعدم والقبول من قبل شريحة واسعة من المجتمع، ومهما حاولت الجهات الرسمية تقديم مبررات حول قضية ما، فإن رد الفعل الشعبي الأولي عادة ما يكون عدم التصديق.
وتطغى هذه الحالة على مختلف القضايا لعدة أسباب، أبرزها فجوة الثقة الواسعة بين الشارع والجهات الرسمية التي تكرست على مدى سنوات طويلة نتيجة تنصل الحكومات من وعود قطعتها على نفسها وسعت من خلالها لنيل شعبية زائفة.
اليوم تقطف الحكومات ثمار النهج الذي طبقته لسنوات والذي بُني على أساس وعود لم تنفذ، ومُبررات لا تقنع حتى الأطفال، فكيف هو الحال بالنسبة لرأي عام ناضج قادر على التحليل!.
لا نصدق الرواية الرسمية، لأن شعار محاربة الفساد بكل تجلياته ظل حبرا على ورق، ولأن الحكومة هربت خالد شاهين مدعية أنه سافر للعلاج في أميركا، لنكتشف بعد حين أنه في لندن.
لا نصدق الرواية الرسمية، لأن أسماء كثيرة اندمغت بالفساد ولم نر أية إشارات على نية محاسبتهم. لا نصدق الرواية الرسمية، كون بلايين الدنانير ضاعت وأُهدرت، ولم يلمس المواطن أثرا لكل عهود التنمية ومحاربة الفقر والبطالة.
لا نصدق الرواية الرسمية، لأن معدلات النمو التي تحققت على مدى سنوات طويلة لم تنعكس على مستوى معيشة الناس وفشلت في تخفيض معدلات البطالة.
لا نصدق الرواية الرسمية، لانه لم يبق فلس واحد في صندوق الخصخصة من عوائد مرافق الدولة وثروات الوطن وأن قيمة الدين والعجز قفزتا بشكل كبير خلال السنوات الماضية. لا نصدق الرواية الرسمية، لأن المواطن الأردني شهد بأم عينه عجز الموازنة يرتفع رغم أن الحكومات حملت جيبه كلف المشتقات النفطية، بعدما أن ادعت أن الدعم المقدم لهذه السلعة ينهك ويشوه الموازنة.
لا نصدق الرواية الحكومية، لأننا ندفع ضرائب باهظة لا نجد مقابلها خدمات بمستوى لائق يتناسب مع معدل الضرائب المدفوعة.
لا نصدق الرواية الرسمية، لاننا اكتشفنا حقيقة نوايا الحكومة حيال عملية الإصلاح رغم المانشيتات الرنانة التي تصدرت وسائل الاعلام حول المضي في جعل الديمقراطية واقعا لا مجرد كلمات تطلق في الهواء.
لا نصدق الرواية الرسمية، لأن الناس ما عادت تثق بما يصدر عن الحكومة بسبب المخالفات الكبيرة للدستور وروحه، وتحديدا عندما ظَلمه صناع القرار باتباع نظام ضريبي لا يراعي التصاعدية التي ينص عليها الدستور لتحقيق العدالة وضمان إعادة توزيع الثروات.
لا نصدق الرواية الرسمية، لأن آليات اختيار الأشخاص للمواقع العامة خلال السنوات الماضية اعتراها خلل كبير وكانت شرعيتها الوحيدة صكوك غفران من دون أدنى معيار للكفاءة، وقدمت للمجتمع مسؤولين لم نعد نثق فيهم أصلا.
بعد كل ما سبق لا يتوجب على الحكومة، أية حكومة، أن تتوقع من الأردنيين أن يثقوا بروايتها ويصدقوها، فإعادة جسور الثقة بين المجتمع والسلطات بحاجة لخطوات كثيرة واقعية بعيدة عن الإنشاء الذي يبقى حبرا على ورق حتى تقنع المواطن بتصديق روايتها.