ما الذي حدث في الزرقاء؟
المواجهات التي حدثت بين الأمن العام وأنصار "السلفية الجهادية" أول من أمس تمثل أزاحة حرف للصورة الإعلامية الحقيقية لمشهد الحراك الشعبي السياسي من أجل الإصلاح.
خلال عدة أشهر مثّل الأردن نموذجاً مختلفاً ومغايراً عن الدول العربية في الحرص المشترك بين الحكومة والقوى السياسية والشعبية على تجنب العنف والاحتكاك واستنساخ نماذج الصدام الأخرى. وباستثناء أحداث 25 آذار الأليمة، وقبلها ما سمي بـ"جمعة البلطجية"، فإنّ الجمعة الماضية مثّلت استعادة للصورة الحضارية تلك، لولا الصدام الذي حدث في الزرقاء، وهو – بالتأكيد- خارج السياق الشعبي والسياسي العام.
الأردن هو الدولة الوحيدة في العالم التي سُمح فيها لأنصار هذا التيار، وهو يكفّر الدولة ومؤسساتها، ويعلن رفضه للديمقراطية والتعددية، بالتظاهر وتحريك المسيرات والاعتصامات، بل ودخلت السلطات معهم في مفاوضات لوقف اعتصامهم يوم الثلاثاء في ميدان جمال عبد الناصر، وتم إطلاق سراح أربعة منهم على خلفية ذلك.
إذن، ما الذي حدث حتى "قُلِبت الصورة" رأساً على عقب ووقعت أحداث الجمعة؟..
على الأغلب كان هنالك "قرار رسمي" بإنهاء هذه الظاهرة، بخاصة بعد أن اكتسب أفراد التيار جُرعةً زائدة من الثقة بالنفس وتحدّي الدولة، تحت وطأة "التراخي السياسي" معهم بعد التطورات الإقليمية. وقد سهّل هذا التيار المهمة كثيراً عندما استخدم السلاح الأبيض واعتدى على رجال الأمن العام ما مثّل مشهداً غير مسبوق، ليس فقط في الأردن، بل في العالم العربي.
إذا كنّا نصرّ دوماً ومطلقاً على قدسية حق التعبير السلمي والتظاهر والاعتصام حتى لأكثر التيارات راديكالية، ورفض استخدام البلطجية والزعران لمواجهة دعاة الإصلاح، فإنّنا نصر بدرجة أكبر من ذلك على مكانة رجل الأمن وعدم القبول بأي مسّ له، لأنه يمثل كرامة الدولة والوطن، مهما كانت الذرائع والحجج.
رجل الأمن العام هو ابن الوطن البار، وهو عنوان رئيس من عناوين الاستقرار والحياة الآمنة التي ننعم بها، وما حدث مع عشرات منهم يوم الجمعة صدم الأردنيين وخلق مشاعر ساخطة ضد أبناء "السلفية الجهادية"، الذين خسروا المعركة الإعلامية، ومنحوا فرصة للدولة لاستعادة "القبضة الحديدية معهم" في مناخ سياسي مهيأ لهذه الحملة.
لسنا، هنا، بصدد تمحيص الروايات أو تبنّي أيّ منها، سواء الرسمية أو التي يحملها أفراد التيار. فلا مبرر السيوف والخناجر والقضبان الحديدية، لأنّ سلمية الاحتجاجات والمسيرات هي "الضمانة الحقيقية" لها. قبل ذلك، استطاع هذا التيار القفز خطوات واسعة إلى الأمام، وأحرج الجهات الرسمية، عندما استغل المناخ السياسي الشعبي، ونظم مسيرات واعتصامات للمطالبة بـ"العدالة" مع أعضائه في السجون والقضاء، وقد تمكّن بذلك من كسر الحصار الإعلامي والسياسي، والخروج إلى الشارع بصيغة فريدة، واكتسبت قيادته حضوراً إعلامياً، قبل أن يتورّط بحسابات خاطئة في تقدير ما حدث. مع هذا، فإنّ الخشية ليست منطقية في أن تؤثر أحداث الجمعة على مسار الحراك السياسي الشعبي والدفع نحو الإصلاح، أو أن تستغل من قبل التيار المحافظ لاختطاف "الصورة الإعلامية" من التيار الإصلاحي.
بل على النقيض من ذلك، فإنّ ما حدث هو تعزيز لمطالب الإصلاح ولأهمية حضور التيارات السياسية المعتدلة، ومؤشر مهم على أنّ البديل عن الإصلاح هو فوضى أمنية وسياسية واقتناص للجيل الشاب من قبل التيار الراديكالي، تحت ضغط الشعور بالإحباط وخيبة الأمل والمرارة من تعثر الإصلاحات المطلوبة.