إقليم كردستان إذ «يتمدّد».. أو معادلة برزاني الجديدة!

سجال جديد وطازج اندلع في العراق، المُثقل بالأزمات والمفتوح مستقبله «الغامض» على سيناريوهات عديدة، يقف على رأسها سيناريو التقسيم أو قُلّ التفتيت، الذي لا تُخفي أطراف معروفة وأخرى ما تزال «تراقب» وإن كانت تدعم في شكل سرّي، مسار التقسيم والتفتيت على أسس طائفية وأخرى مذهبية وثالثة عِرقية وغيرها، بهدف نشر الفوضى واعادة ترتيب المنطقة بأسرها، بعد ان تتضح ملامح المشهد الجديد الذي ستُفرزِه الحروب المشتعلة الآن في المنطقة وعلى تخومها، وأيضاً إلى أن تستقر موازين القوى وبما يسمح باعادة معادلة التحالفات والاصطفافات في المنطقة العربية، و»حصص» الكبار الذين انخرطوا في حروبها أو أداروها من دهاليز الاستخبارات وغرف العمليات السوداء.
ما نقصده «الخطير» هو القرار الذي اتخذه مسعود برزاني، رئيس اقليم كردستان المُنتهية ولايته، بِضّمِ قضاء سنجار إلى الإقليم واعتباره جزءاً من كردستان العراق، بعد ان تم «تحرير» هذا الاقليم ودحر داعش منه، وقد جاء ذلك في خطاب مُفعَم بالحماسة (اقرأ الغرور) ومحاولة واضحة لاسترداد هيبته، بعد ان اضعفته الخلافات الداخلية وخصوصاً المظاهرات الشعبية العارمة في الاقليم التي طالبته بترك المنصب ورفضت التمديد له او تجديد ولايته، ناهيك عن الاحتجاجات المطلبية نتيجة ارتفاع نسب البطالة والأسعار وعدم دفع الرواتب..
«.... في هذا اليوم التاريخي، سَجْلَت قوات البشمركة، ملحمة تاريخية وأنا هنا للإعلان عن تحرير سنجار (وَقَعتْ تحت سيطرة داعش في آب 2014).. مضيفاً أن سنجار تحرّرت بـ(دماء) البشمركة، وأصبحت جزءاً من كردستان، وسنعمل مع الحكومة العراقية لجعلها محافظة».. انتهى الاقتباس.
هنا والآن... تبرز بوضوح النزعة التوسعية أو قل الشوفينية الخالصة ومحاولة تمدّد الإقليم إلى خارج المساحة المعروفة التي استقر عليها منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، وتحديداً منذ إعلان دول الغرب الامبريالي وعلى رأسها الولايات المتحدة منطقة الحظر الجوي في شمال العراق ما أتاح للكرد إعلان إقليمهم والتمتع بحماية الأميركان والبريطانيين، وإن كانت الخلافات بينهم (الكرد) قد وصلت إلى «تخوم» الحرب الأهلية بعد الخلاف على عوائد المراكز الحدود مع تركيا.. الى ان نجح الوسطاء في ايقاف القتال الضاري بين برزاني وانصار رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني ما أدى الى اقتسام السلطة وبروز «سُنجُقَيْن» أحدهما في اربيل (ودهوك) لآل برزاني والاخر في السليمانية لطالباني واتباعه وإن كانت الخلافات لم تنتهي بل تَعمّقت الشكوك وانعدام الثقة.
ولأن غزو العراق قد افرزت معادلة «انقلابية» جديدة، بكل ما تعنيه من معان، فإن الكرد بدوا في فترة ما وكأنهم الطرف الاقوى والاكثر تماسكاً (حتى لا نقول تفاهماً) فيما تَمزّقت المكونات والقوى العراقية السياسية الاخرى، بعد ان خضعت او أُريد لها ان تلعب الدور المنوط بها اميركيا، وانزلقت الى مستنقع المحاصصة الطائفية والمذهبية، ما أدى الى تواصل الانهيارات في بنى ما تبقى من هيكل الدولة العراقية المتداعي، وراحت تفاهمات الدستور واقتسام المناصب لتوزيعها على الازلام والمحازبين والأصهار، تزيد من حدة الخلافات مع المُكون الكردي الذي يتمسك بمواد معينة من الدستور وخصوصاً ازاء المناطق المُتنازع عليها، وعلى رأسها «كركوك» وأصرّ على تطبيق المادة (140) منه والتي لم تعد الان موضع بحث او مطالبة، بعد ان بات ضم «كركوك» امراً واقعاً او لنقل مؤجلاً الى حين «تحرير» العراق من داعش، بل من «الدواعش» داخل الدولة العراقية ذاتها.
هل قلنا كركوك؟
نعم فالمدينة الغنية بالنفط والمختلطة الاعراق من عرب وكرد وتركمان واقليات اخرى «ضمّها» سعود برزاني بعد ان اجتاحتها البشمركة اثر انهيار الجيش العراقي أمام داعش وبعد سقوط الموصل (10حزيران 2014) في شكل يصعب وصفه بغير التواطؤ والتآمر، وذهبت كل احتجاجات ومعارضة حكومة بغداد (في عهد المالكي) ادراج الرياح، ولم تعد المسألة «بعد الضم» سوى خلاف على توريدات عوائد النفط وحصة الاقليم منها، الان تتكرر «الحكاية» في سنجار وإن كانت المدينة بل القضاء كله، غير معروف بأنه غني بالنفط، إلاّ ان التبرير الذي يسوقه الرئيس برزاني لا يستوي ومنطق الدولة والتعايش ويتعارض حتى مع تفاهمات الدستور حول خيار الأقاليم والدولة الفيدرالية، فضلاً عن كونه يفتح الطريق على «منطق» الصراع حول غنائم الحرب، عبر وضع اليد على ما يصله «بصطار» هذه الميليشيا أو تلك، وهذه وصفة اذا ما تم تعميمها، فإنها تضع العراق الحالي على طريق التفتيت والاندثار، وليس هذا–في ما نحسب–هو ما يريده برزاني ولا مكونات اقليم كردستان الاخرى التي تختلف مع ما يذهب اليه برزاني، في محاولته للدفاع عن (زعامته) او الاحتفاط بكرسي الرئاسة في اربيل.
تجدر الإشارة إلى ان تحرير سنجار تم بمشاركة اميركية مُعلّنة وبعض من ميليشيات الأقلية الإيزيدية، لكن «الاخطر» هو ان مسعود برزاني «أمر» بعدم رفع العلم العراقي طالباً رفع علم اقليم كردستان فقط، ما اثار سخطاً كبيراً واعتراضاً، بررّه انصاره بانه كان يقصد عدم رفع الاعلام الحزبية الأخرى (...) وليس القصد منه منع رفع العلم العراقي.
تُرى على مَنْ يتلو برزاني.. مزاميره؟