برنامج العام الأخير لمجلس النواب والحكومة

إيراد الفكرة في خطاب العرش السامي، في افتتاح الدورة العادية لمجلس الأمّة أمس، يعني أنها اعتمدت وأصبح مطلوبا من الحكومة تقديم قانونها؛ وأقصد مشروع الصندوق الاستثماري. وسيكون هذا أبرز تشريع اقتصادي (إلى جانب تعديلات مفترضة على قانون ضريبة الدخل) للدورة التشريعية التي بدأت للتو.
ننتظر من الحكومة أن تقدم رؤية لمشروع الصندوق، تناقشها مع مجلس النواب والفعاليات الاقتصادية قبل التقدم بالتشريع، لتوضيح فكرة الصندوق الاستثماري الذي سيقوم على "مشاريع وطنية تنموية وريادية، تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني وعلى المساهمين في هذا الصندوق"؛ فمن سيساهم فيه وكيف؟ وهل ستمول الحكومة جزءا منه؟ وكيف ستتشكل إدارته؟ وكيف نضمن الكفاءة والفعالية والنزاهة والشفافية؟
سأطرح فكرة واحدة لصالح الصندوق، وهي استثمار الثروة المجمدة بيد آلاف الأردنيين؛ أكانت سيولة نقدية أم أملاكا عقارية، لأن هؤلاء لا يجيدون أو لا يجدون الطريقة لاستثمار ما لديهم. هناك فائض هائل من السيولة الموجودة في البنوك، لا تستطيع الأخيرة استثمارها إلا بالطريقة التقليدية، وهي الإقراض للدولة وشراء سندات البنك المركزي، أو إعطاء القروض الاستهلاكية للأفراد. كما يمكن "توريق" حيازات عقارية تساوي مليارات الدنانير؛ أي إيجاد سيولة مقابلها. وهي فكرة يخشى أن تؤدي إلى التضخم، لكن فقط إذا ذهبت للاستهلاك أو المضاربات، وليس للاستثمار. ولدينا مشاريع استراتيجية كبرى تحتاج المليارات، وخصوصا في مجال البنية التحية، وهي رأسمال تاريخي مضمون، وتمثل بالنسبة لأصحاب الأموال خير قناة لتحويل المال إلى أصول استثمارية راسخة. ولنضرب مثالا بخط أنابيب النفط من العراق إلى الأردن، أو مشروع السكك الحديد، ومشاريع أخرى استراتيجية، ولنضع بينها مشروع الطاقة النووية إذا حصل توافق وطني على المضي به إلى النهاية. إنها مشاريع كبرى لتحقيق تنمية استراتيجية، وليس بالضرورة أن تكون وسيلة تمويلها الوحيدة القروض البنكية الدولية المكلفة جدا.
وأستطيع أن أذهب أبعد من ذلك بالقول إن الصندوق يمكن أن يكون الاقتطاع له إلزاميا، بنسبة معينة من الأموال والأملاك المجمدة. وفي الولايات المتحدة، لا يحتفظ الملاكون بملكيتهم العقارية مجمدة لفترة طويلة، لأن هذا يرتب ضرائب باهظة عليهم. ولذلك تبقى السوق متحركة؛ فلا مصلحة لأحد في الاحتفاظ بالملكية العقارية لفترة طويلة.
الإصلاحات في القطاعات المختلفة معروفة. وهناك خطة حكومية عشرية كما قال الخطاب السامي. لكن لهذا العام يجب اختيار مواضيع محددة لإنجازها، بدل البقاء على برامج واسعة تتحرك سلحفائيا أو لا تتحرك. وأشير، مثلا، إلى إصلاح التعليم الجامعي؛ فلنحقق خطوة ملموسة بتغيير جذري لنظام القبولات. أو في الصحة؛ لنحقق نظام التأمين الصحي الشامل بتحويل المال الذي يمنح للإعفاءات الطبية. أو في مجال الطاقة؛ فلنفرض إلزاميا تحولا إلى الطاقة البديلة على المؤسسات العامة والكبرى كافة.
على صعيد الإصلاح السياسي، فإن الخطة واضحة، ويتقدمها الآن مشروع قانون الانتخاب. ويجب عمل نظام جديد للتمويل العام يتناسب مع قانون الأحزاب، بل وأيضا مع قانون الانتخاب الذي يمكن تضمينه صيغة للتمويل العام للانتخابات، تحفز تشكيل تجمعات انتخابية على المستوى الوطني وفق شروط معينة، مثل تقديم قوائم انتخابية في معظم المحافظات، ودعم الكتل النيابية بعد الانتخابات بما يمهد لنشوء أحزاب برلمانية.
ويتوجب إعادة التصويت على قانون اللامركزية لتصويب الشبهة الدستورية في البند 6/ أ. لكن في الأثناء، يمكن العمل على مقدمات اللامركزية؛ بوضع برنامج لتفويض الصلاحيات في كل وزارة ومؤسسة من المركز إلى الأطراف.