الارهاب

يعرف علم الاجتماع السياسي الإرهاب بأنه (كل تصرف أو سلوك بشري ينزع إلى استخدام قدر من القوة القسرية بما في ذلك الاكراه والاذى الجسدي والاستخدام غير المشروع للسلاح ولتقنيات التعذيب التقليدية والحديثة المخالفة لحقوق الانسان الاساسية التي اقرتها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية في التعامل مع ادارة العلاقات الانسانية بما في ذلك الاختلافات في المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية بهدف تحقيق غايات في تلك المجالات تتراوح بين الاخضاع والضغط والتعديل والتهميش (الإقصاء) وقد يطال اخرين غير مستهدفين، هذا السلوك البشري القسري غير السلمي يحدث بين الأفراد أو الجماعات أو السلطات بعضها تجاه بعض داخل مجتمع معين أو بين مجتمعات معينة وعناصر معينة.. ويتولد اساسا من تقاطع أو تداخل أو تظافر عناصر من بيئات مختلفة).
فالإرهاب قد يكون أحيانا (فعل) وفي أحيان كثيرة (رد فعل)، وفي كلتا الحالتين يستهدف من ورائه جماعة معينة أو أشخاص معينين بهدف إيقاع الرعب والفزع في نفوسهم هذا من جهة، ومن جهة أخرى قد يكون الطرف الذي وقع عليه فعل الإرهاب ليس هدفا بحد ذاته وانما هو وسيلة لإيقاع التأثير في طرف اخر بحيث تتولد لديه الرغبة أو الإجبار في الخضوع لارادة الطرف القائم بفعل الإرهاب فالطرف الأول المستهدف بالإرهاب غالبا ما يكون هو الطرف الاضعف لهذا يتم استهدافه، في حين أن الطرف الثاني (الذي يقع عليه فعل الإرهاب) يتوافر على عوامل قوة اكبر بحيث يتم تجنب الصدام المباشر معه.
مما تقدم، نستنتج أن الإرهاب ظاهرة خطيرة في حياة المجتمعات الانسانية وهو أسلوب متدن للوصول إلى الأهداف فالإرهاب ليست له هوية ولا ينتمي إلى بلد وليست له عقيدة إذ انه يوجد عندما توجد أسبابه ومبرراته ودواعيه في كل زمان ومكان وبكل لغة ودين.
وهنا يطرح التساؤل الاتي، ما هي دواعي الإرهاب؟ وما هي الأسباب التي جعلته ظاهرة عالمية تزداد توسعا وانتشارا؟ وما هي السبل والحلول الكفيلة لمعالجة واستئصال هذه الظاهرة؟
ثانياَ : أسباب ظاهرة الإرهاب :
ان أسباب وجود الظاهرة (الإرهاب) وازديادها متعددة وموزعة على ميادين مختلفة سياسية - اقتصادية - اجتماعية ونفسية وغيرها، ودراسة هذه الأسباب مجتمعة مهمة صعبة للغاية، إذ يجب أن تسبق هذه الدراسة دراسة أخرى لمعظم المشكلات المعقدة التي تواجه الافراد والمجتمع الدولي والمحلي على حد سواء.
ومع ذلك يبقى الامر مهما ومطلوبا وضروريا، إذ لا يمكن القضاء على الظاهرة إذا لم تعالج أسبابها فالمسالة الرئيسية التي تواجه تحديد أسباب الظاهرة هي اختلاف وجهات النظر في تحليل الظاهرة نفسها ومرد هذه الاختلافات يعود إلى تباين التفسيرات للمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تنشأ عنها هذه الظاهرة، وبالرغم من ذلك فان هناك اتفاقا حول عدد من أسباب الإرهاب الدولي على الأقل في الجانب الاقتصادي ، وعلى هذا الاساس بقدر ما يكون للارهاب من أسباب ظاهرة مختلفة ودوافع خفية متباينة، بقدر ما تكون الأوجه التي تمظهر بها متنوعة والمسالك التي يتسرب منها متعددة.
وبالنظر لأهمية الاقتصاد الدولي في الساحة السياسية الدولية كونه المحرك الاساسي لكل التفاعلات الدولية والاعتماد المتبادل ومحصلة التأثير والتأثير لكل من السياسة والاقتصاد كونهما وجهين لعملة واحدة.
ويصبح من الضروري تناول ظاهرة الإرهاب وفق الرؤية الاقتصادية والبحث في الأسباب المباشرة لشيوع هذه الظاهرة على المستوى الاقتصادي ونشير هنا إلى أن الإرهاب وفق المنظور الاقتصادي كان قد تمت الإشارة إليه من قبل علماء ومفكرين اجتماعيين وسياسيين بأنه ابن الثورة الفرنسية، ففي مواجهة المشاكل الداخلية والخارجية تلك المتعلقة بالجانب الاقتصادي، كانت تتجسد الأكاذيب والتناقضات اإن الإرهاب لا يمكن تطبيقه أو العمل به إلا حين يؤدي إلى خلق الفوضى وإهدار الحريات العامة، بمعنى أنه ظاهرة ومنتج مركب من عوامل متصلة بالبيئة الداخلية أو بتدخل من عوامل بيئة خارجية، أو بخليط منهما معا.
اذ تلعب العوامل الاقتصادية دورا مهما في توجيه سلوك الإرهاب عند الناس والمجتمعات البشرية فالحاجة الاقتصادية لا يشبعها أي بديل محتمل وكثرة المشكلات الاقتصادية تؤدي حتما إلى تدمير الحضارة وأسس البناء الاجتماعي، وتترك أثارها على عامة ابناء المجتمع فالبناء الاقتصادي يسبب نمو علاقات اجتماعية معينة فإذا كانت مشبعة اقتصاديا احدثت التماسك والترابط الاجتماعي وان كانت عكس ذلك ولدت السلوك العدائي والعنف.
ووفقا لذلك، يمكن حصر بعض الأسباب والعوامل الاقتصادية الناشئة عن تنامي ظاهرة الإرهاب على صعيدين داخلي وخارجي:
أ - عوامل داخلية: تكمن في بعض المشاكل الرئيسية التي يفرزها المجتمع ومنها:
1- التخلف: والناتج بصورة رئيسية عن السياسات الاقتصادية غير المتلائمة مع الواقع الاجتماعي للدولة، بحيث تتكون فجوة تتسع تدريجا بين الفقراء والاغنياء وبين المتعلمين وغير المتعلمين وبين ذوي المصالح الاقتصادية الواسعة وبين فئات اقتصادية مهمشة، باختصار بين من يملك ويحاول زيادة هذه الملكية باي صورة كانت حتى وان ادى ذلك إلى إفقار وتهميش شرائح واسعة من المجتمع وبين من لا يملك ومن هو مستعد للتضحية بحياته في سبيل تحقيق مكانة أو التخلص من واقع الحياة خاصة بين فئات الشباب.
2- البطالة: استكمالا لما تقدم أعلاه، مع ملاحظة ان فصل هذه العوامل عن بعضها البعض هو لأغراض الدراسة الأكاديمية في حين أنها في الواقع مترابطة ومتداخلة، فالبطالة وانتشارها بصورة واسعة لدى فئة الشباب خاصة سواء كانت بطالة حقيقية أم بطالة مقنعة، فإنها تولد شعورا بالعجز واليأس من ناحية، وشعورهم بالاحباط من ناحية أخرى إلى جانب شعور هؤلاء الشباب المرتبط بواقع الحياة المرير بانهم ليس لديهم ما يغيروه أو يحافظون عليه بالاستمرار بالحياة، هذا الواقع مترابط مع جهات أو جماعات مستعدة لتقديم أموال كبيرة لقاء أعمال صغيرة يستشعر معها الشباب انهم يقومون بعمل ما وإن كان ذا طابع عنيف أو دموي ولكنه بالنسبة إليهم عمل هادف يستحق الجهد المبذول فيه، فالشاب الذي لا يجد له فرصة عمل يكون هدفا سهلا لمختلف الاتجاهات المتطرفة دينيا أو سياسيا أو عصابات النصب والاحتيال والسطو المسلح.
3 - سوء توزيع الثروة: والموارد اللازمة للتنمية وتوفير الحاجات الأساسية للناس وعلى نحو غير متوازن بعبارة أخرى وجود خلل في العدالة الاجتماعية تفرز قدرا متعاظما من الظلم الاجتماعي الجماعي والحرمان النسبي لدى قطاعات متزايدة من السكان، وهنا الحرمان النسبي ليس بالضرورة ناتجا من الفقر والافتقار على المستوى الفردي، وذلك أن الأفراد القائمين بالإرهاب قد يكونون أغنياء بذاتهم ولكنهم انطلاقا من الاحساس بالتهميش والدونية من قبل الدولة مما يخلق حالة من الغضب والنقمة لدى فئة معينة تجاه فئات أخرى ورد فعل متطرف مصحوب بعمل إرهابي.
4 - عمليات الفساد الاداري الحكومي: التي تسهم بها معظم البلدان والازمات الاقتصادية المستمرة ابتداء من التضخم والكساد الاقتصادي إلى حالات الكسب غير المشروع في الصفقات التي تتم بشكل غير قانوني مع رجال الدولة أو الدخول في صفقات غير قانونية لتمرير العشرات من أنواع البضائع الفاسدة بجهود أشخاص ذوي نفوذ في الدولة مثل هذه الممارسات تولد لدى الشباب أو الناس المحرومين سلوكا عدوانيا عنيفا من الكبت سرعان ما ينفجر بعمل عدواني منظم يستهدف الاشخاص والمؤسسات أو الدولة ذاتها مما يؤدي إلى تدهور الأبنية الاقتصادية - الاجتماعية للدولة، وهنا يتخذ الإرهاب صورا عديدة منها (حالات السلب والنهب وعمليات الاختطاف المنظمة المصحوبة بدفع فدية مالية معينة تستخدم لتمويل عمليات إرهابية على الصعيد السياسي من تنظيم حملات مسلحة وغيرها). وعلى أساس ما تقدم، يمكن صياغة معادلة تفسر بان:
الجهل + الفقر والافتقار + القمع والكبت والاقصاء والتهميش = ظاهرة الإرهاب.
وهذه المعادلة لا تنفي أو تلغي دور العوامل الخارجية المسببة لظاهرة الإرهاب بل يمكن أن تساعد على تغذيتها وبالشكل الذي يقودها إلى حرب أو صراع اجتماعي مستمر.
بـ - اما العوامل الخارجية: ترتبط البيئة الخارجية وصلتها بظاهرة (الإرهاب) أساسا ببعدي السياسات والقوى الخارجية التي تمارس بشكل مباشر أو غير مباشر ضغوطا على دولة ما لإرغامها لإتباع نهج أو سياسة ما، مما يولد حالة من العدائية والصراع لدى طبقات واسعة يمكن أن تستغل في تاجيج الصراعات الداخلية والخارجية.
إن بحث ودراسة العوامل الخارجية المسببة لظاهرة الإرهاب لا تقل أهمية عن العوامل الداخلية كونها تؤشر مخرجات فعل الإرهاب ومحصلتها (واحدة) هي إشاعة روح الخوف والتهديد في جماعة معينة بقصد تحقيق أهداف معينة قد تكون سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية... الخ.
وبالنظر لتعدد المداخل التي يمكن من خلالها معرفة وتشخيص ظاهرة الإرهاب اقتصاديا على المستوى الخارجي يمكن الإشارة إلى أن تشخيصها للأسباب الاقتصادية والاجتماعية كما يلي:
1- استمرار وجود نظام اقتصادي دولي جائر يمكن أن يقود إلى خلق حالة من الغضب والعداء المستمر بين مختلف شعوب العالم.
2- الاستغلال الاجنبي للموارد الطبيعية الوطنية والذي يمكن أن ينتج بفعل ظاهرة التبعية.
3- تدمير ما لدى بعض البلدان من سكان وأحياء ووسائط نقل وهياكل اقتصادية.
4- الظلم والاستغلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
5- الفقر والجوع والشقاء وخيبة الأمل أو الاحباط.
6- تدهور البيئة الاقتصادية الدولية وهيمنة الدول الكبرى على الاقتصاد العالمي.
هذه العوامل مجتمعة تشكل محور أسباب انتشار ظاهرة الإرهاب عالميا ومن الطبيعي بحث وتفحص عوامل أخرى تقف وراء هذه الظاهرة. أبرزها حالات التنافس والصراع الذي تشهده الساحة السياسية الدولية، فقد أكدت الأحداث أن التطور اللامتكافئ بين الدول المتقدمة والدول التي تسعى إلى النمو وما تمثله ظاهرة التبعية المتسمة بسيطرة الدول المتقدمة وانتشار الانماط والاساليب المتعددة للجريمة المنظمة والتي تعتبر نتيجة تمرد على الواقع المعاش باتساع تلك الهوة بين عالم الشمال المتطور والجنوب الساعي إلى التطور، أدت إلى بروز أساليب متعددة لارتكاب أعمال إرهابية تعبر عن حالة الرفض للتبعية وللاستعمار والاستغلال على المستوى الدولي.
يضاف إلى تلك العوامل الخارجية المتمثلة بسياسات الدول المتقدمة، السياسات المتبعة من قبل المؤسسات المالية الدولية وبالذات صندوق النقد والبنك الدوليين عبر برامجهما المتمثلة بالإصلاح الاقتصادي والتكييف الهيكلي المشروطة باتباع سياسات معينة من قبل البلدان المطبقة لتلك البرامج، إذ إن تطبيق هذه البلدان لتلك البرامج قد أدى إلى سوء توزيع الدخل وتدهور القدرة الشرائية واتساع رقعة الفقر والتهميش هذا فضلا عن تجلي انتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في النمو الكبير الذي حدث في أرقام البطالة إلى جانب تخلي الدولة عن الالتزام بتعيين خريجي المعاهد والجامعات التي تولد معها ارتفاع في معدلات الجريمة والإرهاب في تلك الدول، ذلك انه كلما زادت فترة بطالة الفرد زادت احتمالات انجرافه بسبب تردي أحواله النفسية والاجتماعية والاقتصادية.