أوروبا لا تقاطع المستوطنات

احتاج الاتحاد الأوروبي لأكثر من 15 عاما حتى يصدر، قبل أيام، القرار بوضع علامة على بضائع مستوطنات المناطق الفلسطينية والسورية المحتلة منذ العام 1967. واستنادا لتصريح مسؤول في "الاتحاد"، تناقلته وكالات الأنباء، فإن هذا القرار "فنّي وليس سياسيا"، ويقصد لفت نظر المستهلكين لحقيقة مصدر تلك البضائع. لكن على أرض الواقع، فإن دول "الاتحاد"، تواصل استيراد نسبة كبيرة مما تنتجه المستوطنات. وهذا يعكس حقيقة تلعثم الخطاب الأوروبي تجاه الاحتلال الإسرائيلي، وحقيقة غياب الضغط على إسرائيل لإنهاء الاحتلال.
فالحديث والمبادرات لمقاطعة مستوطنات المناطق المحتلة منذ العام 1967 قائم على مدى السنين، لكنه اشتد بشكل خاص في النصف الثاني من سنوات التسعينيات، بعد التوقيع على اتفاق التعاون التجاري مع إسرائيل. إذ يقدم الاتحاد الأوروبي تسهيلات جمركية للبضائع الإسرائيلية، شملت بداية بضائع المستوطنات، إلى أن صدر قرار المحكمة الأوروبية في العام 2003، وقضى بأن لا تسري الإعفاءات والتسهيلات الجمركية على ما يستورد من المستوطنات. وواصلت أوروبا الاستيراد من المستوطنات. وحسب تقارير رسمية، فإن حجم الاستيراد بلغ في العام 2014 حوالي 154 مليون يورو. وإذا كان هذا يشكل 1 % من إجمالي ما يستورده "الاتحاد" من إسرائيل، فإنه يمثل نسبة كبيرة من منتوجات المستوطنات.
لذا، فإن التقارير الأوروبية التي تقزم حجم المستورد من المستوطنات، بالادعاء أنها تشكل 1 % من إجمالي البضائع الإسرائيلية، تحاول التعتيم على الحقيقة غير القابلة للنقاش، وهي أن أوروبا، أو لنقل غالبية دول الاتحاد الأوروبي، لا تقاطع المستوطنات ولا بضائعها. ورغم هذا، فإن أوروبا لا تسلم من الهجوم الإسرائيلي الرسمي، الذي شبّه قرار مفوضية الاتحاد الأوروبي، بوضع علامة على بضائع المستوطنات، بقرار النظام النازي في ألمانيا في القرن الماضي، الذي فرض على اليهود وضع رسم نجمة صفراء اللون على صدور كل يهودي لتمييزه في المعسكرات والشارع.
وهذا المشهد الحاصل، يعكس تلعثم خطاب الاتحاد الأوروبي تجاه إسرائيل. وبالإمكان القول إنه متواطئ لا أقل من الموقف الأميركي الرسمي، مع الاحتلال الإسرائيلي، لأن الاختلاف الظاهر بين الخطابين الأوروبي والأميركي ليس اختلافا جوهريا، ولا يساهم في تغيير الوضع القائم على الأرض. فالموقف الحازم من الاستيطان يتطلب محاصرة هذا المشروع ككل، الذي يريد منه الاحتلال الإسرائيلي القضاء على أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة سيادية قادرة على الحياة.
إن القرار الأوروبي الأخير، لن يغير واقع اقتصاد المستوطنات الذي ينتعش باستمرار. وهذا عنصر مهم، يشجع إسرائيل على التغول أكثر في مشروعها الاستيطاني. ولكن حتى لو تسبب قرار كهذا أو ذاك في أوروبا ومناطق الأخرى في العالم، بخسائر محدودة لبعض قطاعات الاقتصاد الاستيطاني، خاصة قطاع الزراعة والمنتوجات الزراعية، كما حصل قبل عامين، فإن حكومة الاحتلال تسارع إلى تعويض المستوطنين المستثمرين، وهذا لن يكلفها شيئا ذي قيمة.
شهدت الصادرات الإسرائيلية في السنوات الـ15 الأخيرة ارتفاعا حادا. وحدث في عدة سنوات من بين هذه السنوات الـ15، أن حجم الصادرات تجاوز حجم الاستيراد، وهذا ما لم يكن من قبل أبدا. كما أنه في السنوات التي ينشأ فيها عجز في الميزان التجاري لصالح الاستيراد، فإنه يبقى عجزا هامشيا، قياسا بحجم الناتج الإسرائيلي العام. إلا أن ما بين 72 % وحتى 77 % من الصادرات الإسرائيلية، من ضمنها بضائع المستوطنات، تتجه إلى القارة الأميركية الشمالية، وبالأساس الولايات المتحدة، وإلى دول الاتحاد الأوروبي. وكما تدل التقارير الإسرائيلية الأخيرة، فإن الاتحاد الأوروبي بات المستورد الأكبر من إسرائيل، تليه الولايات المتحدة الأميركية. وهذا بحد ذاته يعكس القدرة الأوروبية المفترضة للضغط على إسرائيل واحتلالها. لكن هذه القدرة لا تستخدمها أوروبا إطلاقا، وبما يساهم في تشجيع إسرائيل على التعنت في ارتكاب جرائمها ضد الإنسانية.