خرزة حمرا


زمان عندما كنت طفلا كانت والدتي تضع لي خرزة زرقا خوفا من الحسد وخوفا من العين، أحيانا كانت تلظمها بخيط ملاحف وتلبسني إياها على شكل سنسال وأحيانا أخرى تشبكها لي في طرف القميص بدبوس .
عبثيتي الدائمة بالخرزة والدتي وحدها من كانت تتحملها وتتحمل الوجع الصادر عنها ، فعبثي بالخيط كان يؤدي إلى قطعه، وفي كل مرة كانت والدتي تعود للبحث عن خيط ملاحف لتلظم الخرزة فيه من جديد.
تجلس على عتبة البيت تحاول لظم الخيط بثقب الخرزة الصغيرة وأنا أجلس أراقبها باهتمام، ويبدو أن العمر وقتها ولكثرة اللظم جعلاها عاجزة عن رؤية الثقب فالأصابع كانت مرتجفة والقلب وقتها كان مرتجفا علي.
ولكونها علمتني لظم القلوب بالحب ولظم الحب بالخوف، أقترب منها وأحاول على سذاجتي أن ألظم عنها الخيط فتضحك وتلظم صدري بحضنها وتحتضنني.
خوف أمي علي لم يكن ينحصر في الخرزة الزرقا.
ففي كل ليلة كانت تحضنني وتقرأ علي المعوذات وتتلوها بتمتمات لا أفهم منها إلا كلمة يارب بين حين وآخر ، وثمة أدعية وابتهالات كانت تصدح في أعماقها كنت أشعر بها ولا أبالغ إن قلت واعترفت بأن نظراتها وابتساماتها ولمساتها كلها كانت تمائم.
منذ أيام ونحن نصحو على حادثة وننام على فاجعة ، منذ أيام ونحن نتساءل ... شو صاير بالبلد.
وبصراحة ..... أنا خائف على البلد وأشعر بالقلق ، وأريد أن أجعل من قلبي خرزة .. خرزة حمرا ... أقطعه أجزاء وألظم أجزائها وأبسطها من الشمال إلى الجنوب ... أريد أن أقرأ عليه المعوذات وأقرأ عليه كل التمتمات التي تمتمتها أمي علي ... وأن أصرخ بين الحين والآخر ... يا رب احفظ هالبلد.

المحامي خلدون محمد الرواشدة.
Khaldon00f@yahoo.com