الطائرة الروسية ستنقلنا إلى مانهاتن

ردود فعل الدول الغربية على كارثة سقوط الطائرة الروسية في سيناء، وسعيها إلى فرض مزيد من الاحتياطات الأمنية في المطارات، ذكّرتنا بالإجراءات التي اتخذتها تلك الدول لتأمين مطارات العالم بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر). كأن العواصم الغربية تتوقع انتقاماً روسياً في سورية، يفوق في دمويته ما تفعله موسكو الآن. لهذا فإن الدول الغربية تستعد لمواجهة موجة جديدة من الإرهاب، ولسان حالها: إذا كانت «عملية تحرير أفغانستان الدائمة» أفضت إلى تفجيرات نيويورك، فإن الغزو الروسي لسورية سيفضي إلى رد فعل أشد.

 

 

وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند قال في مقابلة تلفزيونية: «علينا أن نضمن أن أمن المطارات في كل أنحاء العالم في مستوياته القصوى، وأنه يعكس الظروف المحلية»... بمعنى أن تطبّق مطارات الآخرين المعايير الغربية. ورئيس شركة طيران الإمارات تيم كلارك عبّر عن اعتقاده بأن «دولاً مثل الولايات المتحدة ودول أوروبا ستكون لها مطالب صارمة وقاسية في شأن الطريقة التي يتعامل بها قطاع الطيران مع الأمن».

 

 

نحن إذاً بانتظار مرحلة توتُّر أمني على مستوى العالم، وحملة تفتيش مرهقة ومحرجة في مطاراتنا، فضلاً عن مطاراتهم.

 

 

الدول الغربية لم تخفف الإجراءات الأمنية في مطاراتها، لكنها قلّلت شكلها الظاهري، واستمرت في وقف رحلات شركاتها من مطارات عربية وإليها، وكان السبب دائماً ضعف الإجراءات الأمنية، وعدم الالتزام بتفتيش النساء، وقِدَم أجهزة التفتيش، ورفض مطالبتها بإشراك رجال أمن غربيين في تفتيش الركاب في المطارات العربية. لذلك فإن الإجراءات المتوقّعة في المستقبل القريب ستشمل تدخُّلاً غربياً في تنفيذ التفتيش في بعض المطارات العربية، والدولة التي سترفض ستتم مقاطعتها. هل ستكون مطاراتنا نهاية التدخُّل في الشؤون الداخلية لبعض دولنا أم هي البداية؟

 

 

كل الدول العربية شدّدت الاحتياطات الأمنية في المطارات بعد أحداث أيلول، ولكن سرعان ما فترت حماسة بعضها، فتساهل في تفتيش الحقائب، أو فوّض بالمهمة شركات مشغلة يفتقد عملها الحد الأدنى من شروط السلامة، ويمكن اختراق العاملين لديها بسهولة.

 

 

لا شك في أن كارثة الطائرة الروسية ستصبح منعطفاً يكلّفنا الكثير، وربما نقلتنا هذه الطائرة المنكوبة إلى أجواء «غزوة مانهاتن»، وستعاود تشكيل الإجراءات الأمنية في مطارات المنطقة. وقريباً سيجد المواطن العربي رجل أمن غربياً يتولى تفتيش حقائبه على أرض مطار دولته، ولن ينفع وقتها الحديث عن السيادة.

 

 

الأكيد أن الحملات الإعلامية ضد الدول الغربية، والحديث عن مؤامرة على دولنا، لن توقف التدخُّلات والإجراءات المحتملة. ولجم هذا التدخل لن يتحقق بتشديد إجراءات الأمن في مطاراتنا فحسب، بل لا بد من معاودة النظر في خطابنا الديني والإعلامي والسياسي، واستبدال إقصاء جماعة «الإخوان المسلمين» ووصمها بالإرهاب، برؤية سياسية أكثر واقعية وحكمة. ومن دون قدرة على فعل التجاوز، سنخسر سيادتنا على دول بأكملها.