أردوغان إذ يربح الانتخابات ويفقد نفسه

شكّلت نتائج الانتخابات التركيّة الأخيرة مفاجأة لعديد المراقبين، ليس فقط لفوز حزب العدالة والتنمية بغالبيّة تسمح له بتشكيل حكومة بمفرده، بل لأنّ الفوز جاء في شكل أساسي وحاسم على حساب حزب الحركة القوميّة اليميني المتطرّف. فمجموع المقاعد التي خسرتها الحركة (40 مقعداً) ذهبت بالكامل الى حزب أردوغان.

 

 

لا يمكن هذا التحول في التصويت إلا للموقف العسكري العدائي الذي اتّخذه أردوغان من عمليّة السلام، والقضيّة الكرديّة عموماً. فالاقتصاد منذ سنة تقريباً ليس في أفضل حالاته، وتهم الفساد تلاحق أفراداً من عائلة أردوغان نفسها، فيما يبدو أن تركيا ستخرج بخفّي حنين من سورية على رغم كلّ الدعم الذي قدّمته لأطراف معيّنة من المعارضة السوريّة، وهذا إضافة إلى التضييق على حريّة التعبير بوضع اليد على وسائل إعلاميّة معارضة قبل الانتخابات بأيّام. فجميع التغييرات السابقة كانت نحو الأسوأ، وكان يُفترض ألا تزيد من شعبيّة أردوغان، إلا أنّ المتغيّر «الإيجابي» الوحيد في نظر القوميّين (نسف عمليّة السلام) كان سبباً كافياً لإعطاء أصواتهم لحزبٍ يجمع بين تاريخ من الإصلاح الاقتصادي (مقارنةً بالعقود السابقة على حكم العدالة والتنمية) ورغبة في الحرب ضدّ الأكراد.

 

 

واستجاب أردوغان لمطالب القوميّين الدائمة بإنهاء عمليّة السلام بسرعة بالغة، وبما يُظهر رغبته العارمة في السيطرة المطلقة على الحياة السياسيّة. فهدفه باستلام رئاسة كاملة الصلاحيّات في تركيا ما كان ليتحقّق لو بقي تشكيل الحكومة مجالاً للتفاوض، حيث أنّ الائتلاف الحكومي المطروح آنذاك مع الحركة القوميّة كان سيشكّل حاجة لحزب أردوغان قبل أن يكون حاجةً للحركة. وهذا يعني أنّ الموافقة البرلمانيّة لم تكن مضمونة في حال التصويت على تعديلات دستوريّة تعزّز صلاحيّات رئيس الجمهوريّة. لذا رفض حزبه الائتلاف مع الحركة القوميّة بحجّة رفض اشتراط الأخير إلغاء عمليّة السلام مع العمّال الكردستاني، فيما نفّذ هذا الشرط عمليّاً بأكثر ممّا توقّعته الحركة نفسها، في مسعى لكسب أصوات مؤيّديها.

 

 

لذا، يعتقد البعض أنّ أردوغان، بمجرّد تحقيق أهدافه، سيعاود دعمه لعمليّة السلام، إلا أنّ بعض المؤشّرات لا يشجّع على الثقة بهذا الطرح. فمن جهة، لا يبدو أنّ التزامه بالسلام صادق ومبدئي، بدلالة تخلّيه عن هذه العمليّة، بل البدء بهدمها، بمجرّد خسارته 27 مقعداً كانت له في انتخابات 2011، لمصلحة الحركة القوميّة في انتخابات حزيران (يونيو). ومن جهة أخرى، لا يبدو أنّه مجبرٌ سياسيّاً على الالتزام بهذه العمليّة، فعلى رغم أنّ استعادة مجرى العمليّة، إلى جانب شروط أخرى، قد تضمن موافقة نوّاب حزب الشعوب (الأكراد) على التعديلات الدستوريّة التي يطمح إليها والتي تعفيه من اللجوء لاستفتاء شعبي، إلا أنّه ليس ثمّة مبرّر يدفع أردوغان للخوف من اللجوء لاستفتاء شعبي، وذلك عبر تقديم بعض الحقائب الوزاريّة للحركة القوميّة في مقابل موافقتهم البرلمانيّة على طرح التعديلات على الاستفتاء. فقد حافظ أردوغان على ناخبيه حين أعلن عن نيّته تحويل النظام البرلماني إلى نظام رئاسي، وحصل على ناخبين جدد حين أضاف إليها «نسف عمليّة السلام».

 

 

ويمكننا بلاغياً، ومن دون افتراض حسن النية بأردوغان، تشبيهه بفاوست، العالم الذي خدعه الشرّير (القوميّون في هذه الحالة) عبر صفقة يبيع فيها روحه في مقابل تحقيق طموحاته الجامحة. فهو يخاطر بحياة ومصير جزء من شعبه، ويعرّض دولته لخطر حرب أهليّة جديدة، كما يضع على المحكّ منجزات وتمايز حزبه مما حقّقه عبر الالتزام بمسار السلام الذي أسّسه مع أوجلان في سجنه. كلّ هذا لتحقيق أغرب أحلامه بتنصيب نفسه سلطاناً.