«أسبوع» على رحيل أحمد الجلبي

لم يعد أحد يذكر «مهندس» اجتياح العراق، زعيم المؤتمر الوطني العراقي الدكتور احمد الجلبي، الذي كان اشهر من نار على العلم «الاميركي» ونجم الفضائيات الاميركية والديمقراطي البديل للديكتاتور العراقي، الذي حظي برهط من المُحرِضين ودائمي الاتصال باللوبيات المتنفذة في الكونغرس الأميركي والبنتاغون ومجلس الامن القومي وخصوصا في وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (CIA) على نحو بدت كذبة الاسلحة الكيماوية والنووية والبيولوجية وغاز الخردل وكل ما يمت بأسلحة الدمار الشامل (هل تذكرون خرائط وصور كولن باول في مجلس الأمن عشية غزو العراق)، وكأنها حقيقة «سلّم» كثيرون بصحتها عن قناعة ربما وبعض خوف ودائما في كراهية النظام العراقي ومعظمهم تصفية حسابات شخصية وثأر قبائلي سقيم، ارادوا تمزيق ما تبقى من وشائج عربية والتنصل من كل التزام قومي والحنين الى الماضي الاستعماري القديم حيث القواعد العسكرية والجوية والاساطيل.
لم يتبق من سيرة الجلبي الخلافية والمثيرة للجدل، سوى «حكاية» السمُّ التي قيل انه قد «وُضِع» له منذ فترة وحقق مفعوله عند تعرضه لذبحة قلبية رغم انه لم يكن يعاني من اي «إشكال» صحي قبل ذلك والطريف في ما تتداوله وسائل الاعلام وبعض الذين يريدون استثمار وفاته او تبييض «صفحته» هو اشارتهم نحو «عالم الاستخبارات» التي يمكن ان تكون قد قامت بتسميمه وضمنت مسبقا انه حتى لو تم تشريح جثته فان ذلك لن يكتشفه «المُشرّحون»..
هي اذا لعبة اجهزة مخابرات في النهاية.. فلماذا إذاً يتم التخلص من رجل، لم يعد له قيمة بعد عقد ونيف من غزو العراق واحتلاله وتدميره وتمزيقه وانهيار دولته وسيادة الفساد فيه ويُبشّر بعضهم باحتمال تقسيمه الى ثلاث دول على اسس طائفية ومذهبية وعرقية، ومن هو صاحب المصلحة في تحويل الجلبي إلى «شهيد» وهو الذي لا يتوفر على حيثية سياسية او حزبية مؤثرة، اضافة الى انه لم يحصل سوى على مقعد واحد في آخر انتخابات برلمانية بعد ان تم الحاقه بقائمة الائتلاف العراقي الموحد وتوالت تراجعاته وتذبذباته وانتقل من مربع العلماني الديمقراطي غير الطائفي بل العابر للطوائف والمذاهب والاعراق (كان صديقا مقربا من مسعود برزاني) الى مربع الطائفية الصريحة عندما ترأس بل وأسس «البيت الشيعي» ولما لم تنجح التجربة اخترع كيانا طائفيا آخر تحت عنوان «المجلس السياسي الشيعي».
لم يكن الرجل «العبقري» في الرياضيات والحائز على درجة الدكتوراه فيها صادقا في علمانيته كذلك لم يكن في قرارة نفسه شيعياً بالمعنى المذهبي والعقدي، بل وظف كل ما يمكن ان يتكئ عليه او يعتليه لتحقيق أهدافه السياسية وهي شخصية وأنانية لا يؤمن بالديمقراطية ولا يتنكب طريق الشفافية أو يتوق الى دولة قانون او يحتكم الى دولة مؤسسات ولهذا سرق ونهب وكذب وزوّر الدولارات وحمل سيف «الاجتثاث» لتصفية حساباته مع حزب البعث وكان بحق «مكارثي» العراق، يرى في كل من يقف في طريقه بعثياً او على علاقة بالنظام البائد وحاكمه الديكتاتور، لا يؤمن بالمصالحة الوطنية ولا يهمه ان يبقى العراق محتلا من الاميركيين او يأتمر «قادته» الجدد بأوامر بول برايمر او يستعينون بـ»نوح فيلدمان» كي يكتب لهم دستور العراق الجديد، وهو الذي لم يعرف العراق ولا تاريخه ولا المراحل التي مرت بها بلاد الرافدين والمنطقة العربية في شكل عام.
برقيات النعي او بيانات التأييد التي صدرت على لسان أحزاب وشخصيات عراقية، استبطنت «غمزات» تجاه الجلبي وبدت وكأنها أقرب الى المجاملة والبروتوكول منها الى الشعور الحقيقي بفقدان شخصية وطنية صاحب ارث يُعتد به او تاريخ ناصع يمكن سرده، رغم ان معظمهم من طينته وساروا على الدرب الذي سار فيه الجلبي، بهذه «السرعة» او تلك، وإلاّ كيف يمكن للعراق الجديد الذي حرّره المناضلون والديمقراطيون الجدد، ان ينتهي الى هذه الحال البائسة والمهينة والخطيرة التي يعيشها دولة وشعبا، حضارة وتاريخا، وراهنا يجوع فيه العراقيون ويفتقدون الماء والكهرباء وأبسط الخدمات والمرافق العامة وتسيل فيه الدماء كما كانت تتدفق المياه في دجلة والفرات، قبل ان يحكم عليهما «اردوغان».. بالجفاف؟.