إدارة الطوارئ

حضرت، ليوم واحد، مؤتمرا حول أثر التغييرات المناخية على إقليم "المتوسط". وهو مؤتمر متخصص لهيئات ومجموعات تعمل في إطار الشراكة الأورومتوسطية، على موضوع التغير المناخي وقضايا البيئة والجفاف والمياه والتلوث. ووُضعت البرامج لرصد الظواهر واقتراح السياسات، وبحث وسائل تقليص المخاطر. وقد تم تخصيص جلسة لإطلاع البرلمانيين المتوسطيين على هذا الجهد، بهدف بناء شراكة برلمانية للمساعدة في الضغط على الحكومات والتأثير على السياسات والقرارات في كل بلد.
صدف في اليوم نفسه (الخميس الماضي) فيضان عمان غير المسبوق، فتم أخذ الحادث كمثال على أثر التغيرات المناخية التي يمكن أن تتسبب بظواهر كهذه. وربما كان هذا الربط متسرعا فلم نعلق عليه؛ إذ ما يزال الجدل مستمرا بشأن ربط ظواهر أكثر ديمومة واتساعا بالتغيرات المناخية على سطح الأرض. ولم يتوقف أحد عندنا في الواقع ليربط بين التغيرات المناخية وهذه الشتوة القصيرة التي أنزلت هذه الكمية الاستثنائية من المياه في منطقة محدودة؛ فهي قد تكون، كما قال المسؤولون، مجرد صدفة عابرة مع حالة عدم الاستقرار الجوي التي أتت بسحابة رعدية هبطت فوق عمان، أو هي قصّة فضيحة كبرى من التقصير وسوء الإدارة، كما تريد التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي.
من المهم التمسك بالمنطق العلمي للخروج بالاستخلاصات الصحيحة. ففي مواسم شتاء سابقة، كان يحدث غرق نفق أو غرق تسوية أو طابق أرضي في عمارة بسبب خطأ فني في نظام تصريف الماء، أو انغلاق مناهل، أو انهيار جدار استنادي، وهذه يمكن اعتبارها أخطاء أو تقصيرا في الرقابة والمتابعة والصيانة، يتحملها الطرف المسؤول عن ذلك، وهو غالبا أمانة عمان. لكن هذه المرة، فإن وجود انغلاق في جيب تصريف هنا، أو انهيار حاجز هناك، لا يجيب عن شيء، وظاهرة واسعة بهذا الحجم هي شيء مختلف. ومن حيث المبدأ، فإن ما حصل، ببساطة، هو أن الكمية الهائلة من المياه التي نزلت في وقت قصير كما لم يحدث من قبل، كانت أكبر كثيرا من الطاقة الاستيعابية لمجاري تصريف المياه والصرف الصحي، تماما مثل سكب دلو ماء في محقان صغير. وعلى كل حال، فبنية التصريف الموجودة عموما لم تكن متعطلة، بدليل أن المياه جفت كأنها لم تكن بعد ساعات قليلة.
نفهم أنه ليس ثمة بلد ينفق على بنية تحتية لاستيعاب احتمال استثنائي قد يقع أو لا يقع لعقود. ومن المستحيل في عمان أيضا حفر شبكة مجاري أوسع بعشر مرات من الحالية (كم مليارا تكلف؟!) لاستيعاب شتوة واحدة محتملة كهذه. لكن هناك مسؤولية، بل وخطيئة تاريخية أعتقد أنها تدحرجت على مدار ربع قرن ونيف. إذ إن عمان كانت تتوسع إلى تلال ووديان كاملة ترصف بالحجر والزفت، فتضاف كمية هائلة من المساحات التي تجمع المياه لتصب في البنية التحتية نفسها. هل كانت القيادات الفنية المتعاقبة في أمانة عمان ووزارة المياه تحسب ذلك، وتجد له الحلول الفنية؟ هذا هو السؤال الأساس، وهذا ما نريد إجابة عنه، وأيضا تقديم حلول إبداعية وخلاقة لتصريف المياه وتجميعها.
الحالات الطارئة مثل الفيضانات، تشبه إلى حد ما الكوارث الطبيعية؛ لا يمكن تجنبها أو إلغاؤها، بل يمكن التعامل معها وتقليل مخاطرها. والمهمة لا تخص أمانة عمان وحدها. وقد رأينا أعمالا وبطولات تقدر ونعتز بها من الدفاع المدني وجهات أخرى ومن مواطنين. لكن، هل لدينا خطط لكل الأجهزة والمؤسسات، للتعامل مع الطوارئ والكوارث؟ أذكر أننا أنشأنا قبل سنوات صيغة مؤسسية عليا لهذه الغاية، هي "المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات"، فما أخباره بالمناسبة؟!