تصريف مياه الأمطار في عمّان

الكل يجمع بأن شدّة العاصفة والهطول المطري الذي تعرضت له عاصمتنا الحبيبة عمّان كان غير مسبوق، والكل يعلم بأن طبيعة وطبوغرافية عمّان الجبلية تُسارع في عملية تدفق المياه وتصريفها، لكن بالطبع لا ترقى ليسميها بعض المسؤولين بالكارثة الطبيعية للتنصّل من المسؤولية، ولهذا فلا بدّ من شذرات ودروس تُستفاد مما حدث وكذلك لا بُدّ من قراءة لغايات الأخذ بالأسباب والتصويب الجذري للأمور. فمسلسل غرق عمّان كنتيجة لإغلاق مناهل التصريف وغيرها من الأسباب يتكرر لدرجة أننا لم نعُد نستمتع بالهطول المائي الذي نشكر ربّ العزّة عليه، فالإتهامات تنطلق صوب تقصير بعض الجهات، وبالمقابل الكثير من الجهات الرسمية أبلت بلاء حسناً، لكن الأمر يجب عدم السكوت عنه لأن الأضرار أرواح وخسائر وممتلكات وضعف في البنى التحتية وأمور إدارية وفنيّة وغيرها. فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله تعالى، شكراً من القلب "لفزعة” نشامى الدفاع المدني والأمن العام والدرك و”الكثير من الشرفاء” في أمانة عمّان والأشغال والمواطنين الشرفاء وشركات الخدمات والبنى التحتية في القطاعين العام والخاص وكل من وقف في خندق الوطن.

فأسباب ما حدث يتلخّص "بالعموم” بشدّة العاصفة وتغيّرات مناخية وضعف البنى التحتية وتصريف مياه الأمطار السطحية وسوء التصميم وخلل في إدارة الأزمة وتراكم أتربة وأنقاض ومخلفات صلبة في المناهل وتعطّل المضخات الغاطسة ورمي مخلفات صلبة من قبل البعض في الشوارع والتي ساهمت في إغلاق بعض المناهل وعدم إجراء الصيانة الروتينية للبنى التحتية وغيرها، وبالطبع هذه الأسباب –عدا ضعف التصميم الهندسي لتصريف المياه السطحية- كلها مجتمعة يمكن تداركها بالإدارة السليمة للأزمة. واضح للعيان أن هنالك ضعف في التنسيق المسبق والتكاملية بين الجهات الحكومية كافة على الأرض لتطبيق إستراتيجيات الطوارئ فيها وخصوصاً "خلية إدارة الأزمات الخدماتية” وتتحمّل الحكومة كل ذلك، لولا أن أجهزة وزارة الداخلية من دفاع مدني وأمن عام ودرك وبعض العمّال من هنا وهناك في الميدان! أجزم بأننا نحتاج لفتح تحقيق موسع للوقوف على الأسباب الحقيقية للمشكلة وتحديد المسؤوليات ومحاسبة المقصرين والتأشير للدروس المستفادة وإيجاد الحلول الناجعة درءاً لتكرار الحلقة التالية من المسلسل السنوي في العام القادم، لأن نفس الخطأ تكرر العام الماضي ولم تستفد الأمانة من الدروس التي حصلت آنذاك. هنالك إستهتار وتقصير واضح من قبل بعض المسؤولين وحان الوقت للمساءلة وبأثر رجعي ولتغييرات جذرية في بعض وجوه الصف الأول في بعض المواقع، فالتصميم الهندسي ربما لا يخدم الشدة المطرية الحالية كنتيجة للتغيرات المناخية، ونحتاج لإعادة النظر فيه على غرار ما جرى في كوالالمبور وتم عمل أنفاق تستخدم لغرضين: حركة المرور صيفاً وتصريف المياه شتاءً. ولأن رؤى وتوجيهات جلالة سيدنا حفظه الله ورعاه لتقديم الخدمة النوعية للمواطن في سُلم الأولويات، ولأن المواطن الأردني يستحق خدمات أفضل، فإننا نتطلع لإصلاحات جذرية على الأرض وتحديداً محاسبة المقصرين وتغييرات في الوجوه المُجرّبة وتصويب في البنى التحتية وتكاملية في العمل وفعالية أكثر في الأداء. ففي زمن الألفية الثالثة وزمن الشفافية لا يمكن لمسؤول أن يظهر على وسائل الإعلام ويستهتر بذهنيات المواطنين ليفبرك بعض الحقائق بما يخص البنى التحتية والعاصفة المطرية لغايات أن يٌبعد اللوم عن شخصه وفريقه العامل، ولا يجوز لمسؤول أن يلوم الناس بمناطق سكناهم، فأين كانوا وقت ترخيص أبنيتهم وتشييدها؟ فالمطلوب من كل مسؤول شريف الإعتراف بالخطأ ومواطن الخلل والتقصير وتحمّل المسؤولية لما يجري على الأرض. شكراً للأردنيين أهل الشومات والفزعات على مواقفهم المشرّفة أوقات الأزمات للمساعدة في إنقاذ الناس وطلبة المدارس العالقة في مركباتهم ومنازلهم والطرقات وسط المياه عالية المنسوب، وبالطبع ألوم البعض ممن لا عمل لديه ويتمتّع بالفضول الزائد لخروجه من منزله دون عمل أوقات الأزمات. في هذه الظروف نشعر بالفخر والإعتزاز بكل من يعمل بإنتماء في مؤسسات الدولة الأردنية بدءاً من الجندي وعامل الوطن ومروراً بالضباط والمهندسين والأطباء والمهنيين والكَتبة والفنيين كافة وأفراد وضباط القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والحكومة بوزاراتها ومؤسساتها كافة ووصولاً لقائد الوطن جلالة الملك المعزز الذي كان يتابع مَنْ في الميدان عن كثب. ومع ذلك فأنا مع إعادة دراسة تصريف مياه عمّان كمشروع وطني كبير كان بالإمكان الإستفادة من المنحة الخليجية لهذه الغاية! ومع إيجاد غرفة عمليات سيادية مشتركة بين الحكومة ووزاراتها الخدمية من جهة والجيش والأجهزة الأمنية والدفاع المدني من جهة أخرى لغايات التنسيق والتشاركية على أعلى مستوى وبكفاءة واقتدار لمواجهة مثل هذه الظروف الجوية قبل وإبّان وبعد حدوثهاولتفادي بعض الأخطاء التنسيقية، وربما مركز إدارة الأزمات المكان المناسب لذلك. بصراحة مطلوب أن نرى المواطنة الصالحة على الأرض لكل أردني مسؤول أو مواطن في ظروف جوية كهذه، ومطلوب محاسبة المقصرين وخصوصاً أن هنالك أرواحا تُزهق، ومطلوب حلول ناجعة لمسلسل الغرق السنوي، ومطلوب البناء على التكاملية بين القطاعين العام والخاص للصالح العام في إدارة الأزمات، ومطلوب وقف بعض السلوكيات السلبية لبعض المواطنين إبّان الأزمات، لغايات أن يلمس المواطن إنعكاس الخدمة عليه والوقوف لجانبه في أي الظرف وفقاً للرؤى الملكية السامية.