«سبت» الصين.. التاريخي!

محمد خروب

 

لقاء القمة «التاريخي» الذي تم يوم أمس في سنغافورة، بين رئيسي الصين وتايوان، يؤسس لمشهد جديد في المنطقة، التي بدأت تحظى باهتمام دولي كبير قد يكون مقدمة لصراع قوى ساخن بين الولايات المتحدة الاميركية وجمهمورية الصين الشعبية السائرة على طريق «العظمة» كي تشارك - حتى لا نقول تطيح - واشنطن في نظام دولي جديد يضع حداً للتفرد الاميركي في قيادة العالم منذ ربع قرن، اقرت الادارة الاميركية علناً وبحشود عسكرية، ان منطقة المحيط الهادئ، ستكون محور اهتمامها الرئيس في المرحلة القادمة، ما اثار مخاوف اصدقاء اميركا في منطقة الشرق الأوسطـ، الذين رأوا في ذلك اشارة بداية تدهور مكانة اميركا العالمية، وتخليها عن دورها «التقليدي» في منطقتنا التي شكلت نفوذاً اميركياً خالصاً، حال دون تمكن السوفيات (إبان الحرب الباردة) من ايجاد موطئ قدم لهم، وكانت البداية الدراماتيكية لأفول النفوذ السوفياتي، ذلك القرار المشبوه والمريب الذي اتخذه انور السادات في العام 1972 (قبل عام من حرب اكتوبر 1973) وبالتنسيق الكامل مع ادارة نيكسون وبترتيب من العزيز هنري كيسنجر، بـ (طرد) الخبراء السوفيات واعلانه مقولته البائسة والاستسلامية بأن (99%) من اوراق حل الصراع في الشرق الاوسط بيد اميركا.. وحدها!.
ما علينا..
التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي يتميز بدبلوماسية الاقتحام وتجاوز الحذر التقليدي الذي سار عليه اسلافه، مع رئيس تايوان (فرموزا سابقاً) ما بينغ جو في بلد محايد (سنغافورة)، التي تقيم علاقات حسنة من الجانبين، في مسعى لتطبيع العلاقات بين البلدين والمُضُي قُدُماً في بحث مستقبل العلاقات بين البّر الصيني والجزيرة التي لجأ اليها الجنرال تشان كاي تشيك، بعد الهزيمة التي الحقها بها جيش الشعب الصيني بقيادة ماوتسي تونغ وفقدان حزب الكومنتانغ السلطة في الصين اثر اجتياح الثوار العاصمة بيجين في العام 1941.
سرد وقائع العلاقات الصينية التايوانية يطول، وبخاصة إن احتكرت «تايوان» تمثيل الشعب الصيني كافة في الأمم المتحدة، وكانت وهي «الدولة» ذات الملايين الثمانية تحوز على العضوية الدائمة في مجلس الأمن بدعم سافر وحماية عسكرية من الولايات المتحدة الاميركية التي لم «تتنازل» عن موقفها إلاّ بعد زيارة نيكسون لبيجين والالتقاء بماوتسي توتغ في العام 1972، عندها عادت «تايبه» الى حجمها الطبيعي ولكن بقيت «محمية» اميركية، وبضمانة القوة العسكرية الاميركية التي لم تتردد في التهديد بنصب صواريخ باليستية في الجزيرة التي لا يفصلها سوى «مضيق» عن البر الصيني.
كل ذلك بات من الماضي، ودخلت بيجين في علاقات «ودّ» وتنسيق مع واشنطن نكاية بموسكو «التحريفية» الى ما بعد وفاة «ماو» وسقوط عصابة الاربعة وصعود نجم دينغ هيساو بينغ ودخول الصين الجديدة عهد الانفتاح والاقتصاد المزدوج (السوق والمخطط) وتولي تلامذة «هيسا وبينغ» السلطة في ما بينهم اتباعاً لوصية زعيمهم العبقري الذي اضطهده «ماو».
الى اين من هنا؟
أيا كانت نتيجة القمة، وايا كان «حجم» المغامرة التي أقدم عليها الرئيس الصيني تشي بينغ، بالتعامل مع رئيس «جزيرة» هي اصلاً صينية ووجود حكم غير شرعي فيها (من وجهة نظر الصين) فإن الخاسر الاكبر، في المرحلة الراهنة التي يتصاعد فيها التوتر بين بيجين وواشنطن ودخول مدمرة اميركية المياه الاقليمية للجزر الاصطناعية الصينية الثلاث (المتنازع عليها) هي الولايات المتحدة الاميركية التي بدأت تبدي تذمرها من شكوكها في الرئيس التايواني ما بينغ جو، الى حد دفع بأحد المتابعين الصينيين لردود الفعل الاميركية على سياسات الرئيس التايواني للقول: ان سياسة التقارب التي اعتمدها «ما بينغ» تجاوزت حدّها وساهمت في إضعاف أمن تايوان (كوجهة نظر اميركية بالطبع).
سبت الصين العظيم، خطوة قد تترتب عليها أكلاف سياسية ربما تكون اولاها، هزيمة حزب الكومينتانغ المقرب من الصين الشعبية في الانتخابات المقبلة رغم ان رئاسة البلاد ستكون من نصيب الحزب المنافس «الحزب التقدمي الديمقراطي».. وهو أمر لن يغير كثيراً من الاثار الايجابية لقمة سنغافورة رغم كل الضجيج وعلو الصوت الاميركي المشكك والرافض، ولن تنجح واشنطن في محاولة منع عودة تايوان الى حضن الدولة الأم، طال الزمن.. أم قصر!