الانتخابات الرئاسية الاميركية الى اين

يحلم الأميركيون عادة بانتخاب رئيس مثالي يجمع بين الاستقامة والحنكة، والحزم والخبرة السياسية والتنفيذية، غير أن واقع حال الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة، يعطي للناظر إيحاء بأن هذه الصفات غير موجودة في شخص واحد بعينه، وربما لهذا تحدث الرئيس أوباما قبل عدة أيام عن غياب حالة الجدية في الاختيار من قبل الأميركيين أنفسهم، ومرد ذلك غياب الحديث عن القضايا الأكثر جدية من قبل المرشحين التمهيديين الساعين للترشح النهائي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء.

قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات التمهيدية في ولايتي أيوا ونيوهامبشير، اللتين تعطيان مؤشرات أولية عن المرشحين النهائيين لا يبدو أن هناك جواًدا أسود رابًحا استقر عليه الجمهوريون، أو الديمقراطيون، إذ نشهد حالة من التأرجح في استطلاعات الرأي، وإن كان الانقسام الواضح في صفوف الجمهوريين يكاد يعطي فرصة ذهبية للديمقراطيين.

هل هيلاري كلينتون ستفوز بترشيح الديمقراطيين لها؟

الشاهد أن جلسة الاستجواب الأخيرة في مجلس الشيوخ التي حاول الجمهوريون فيها الضغط على مكامن الضعف عند هيلاري، قد حسنت من صورتها بدرجة أو بأخرى في عيون الأميركيين، غير أن المسار لا يزال طويلاً وإشكالية هيلاري تحديًدا تتصل بالكثير من الملفات التي مساحة الغموض فيها أكثر من نقاط الضوء، وفي المقدمة ما جرى في بنغازي ثم إشكالية بريدها الإلكتروني، عطًفا على علاقاتها مع الإخوان المسلمين.

هل جاء انسحاب نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن من السباق ليخدم كلينتون؟ ربما كان ليصبح كذلك، حال عدم ظهور سيناتور ولاية فيرمونت، بيرني ساندرز، الذي أعلن ترشحه، وقد أظهر تقدًما طفيًفا على هيلاري في ولاية أيوا. على الرغم من ذلك، فإن المناظرة الأخيرة التي جرت عبر شبكة «سي إن إن» أظهرت هيلاري مفعمة بالحيوية والحضور، وتفوقت في أدائها على ساندرز، لتعود من جديد إلى تصدر استطلاعات الرأي.

ماذا عن الحزب الجمهوري وحظوظ مرشحيه؟ الأمر مثير بالفعل؛ إذ يجري السباق بين رموز متناقضة في المظهر والجوهر إن جاز التعبير. بداية، خيل للكثير من المحللين السياسيين أن مجرد إعلان جيب بوش عن ترشحه يعني فوًزا مضموًنا لرجل من سلالة آل بوش، للفوز بترشيح الجمهوريين، سيما أن له خلفية وسنًدا قويين من الدعم السياسي والمالي، ورهاًنا على شبكة تحتية عميقة من العلاقات مع لوبي النفط تحديًدا. غير أن كاريزما جيب بوش قد لا تكون مناسبة في مواجهة رجل مثل دونالد ترامب، الذي يعلم الأميركيون أنه ليس في مهارة جيب بوش سياسًيا، ولا يتوافر على خبرة العمل العام مثل حاكم فلوريدا السابق، لكن الإعلام الأميركي، وهجومات ترامب وأداءه التلفزيوني، قد جعلا منه مرشًحا في مقدمة الجمهوريين في الوقت الحالي، وإن كان هذا لا يعني بالضرورة أن يستمر الوضع لاحًقا على هذا النحو. يظهر على سطح الأحداث بالنسبة للجمهوريين وجه جديد: جراح المخ الأميركي، الأفريقي الأصل، بن كارسون، صاحب المجد الكبير في عالم الطب، الذي صعد إلى مراكز متقدمة في استطلاعات الرأي الأخيرة، ورغم تواضع حديثه الظاهر والمغلف بالهدوء واللطف، فإن الرجل في عيون شريحة عريضة من الأميركيين راديكالي التوجه، إن لم نقل يميني النزعة، فعنده على سبيل المثال أنه لا يمكن لمسلم أن يرتقي سلم الرئاسة الأميركية، وأن نظرية التطور من صنع الشيطان، عطًفا على معارضته للإجهاض، ومطالبته بتقييد الحق في حمل السلاح.. هل يضحى بن كارسون الأميركي الأفريقي الثاني في تاريخ أميركا الذي يصل إلى البيت الأبيض؟ ربما لن يصوت الأميركيون الأفارقة هذه المرة لبن كارسون كما صوتوا من قبل لباراك أوباما، فالأخير كان يبدو شاًبا مفعًما بالأمل، اشتراكًيا يدعو لتقاسم خيرات الأرض.هل من وجه لا يراه أحد قادر على تفجير مفاجأة لدى الجمهوريين في الساعة الحادية عشرة؟ يبدو أن السيناتور الشاب مارك روبيو يمكن أن يكون حصان الجمهوريين الرابح، سيما أنه يمتلك ناصية الحديث بشكل يجعل منه أمل الأميركيين في رؤية جون كيندي جديد للقرن الحادي والعشرين، وما يزخمه عند جمهور الناخبين إبداعه في المناظرات السياسية، وامتلاكه لقصة شخصية عظيمة، وأسلوب جذاب، والديمقراطيون يخافونه. لماذا روبيو؟ لأن جيب بوش تظهر أرقام المؤيدين له التراجع بشكل كبير، ربما لأنه يعلق على أزمة العراق كثيًرا ويعود بالحياة السياسية الأميركية للماضي، دون مقدرة واضحة على استشراف المستقبل، ولأن ترامب رجل يتحدث كتابًيا ودعائًيا عن استعادة عظمة أميركا، دون رؤية استراتيجية أو أجندة رؤيوية استشرافية تمكنه من استعادة «الحلم الأميركي». فقط يحتاج مارك روبيو للدعم المالي، وعليه فقد تكون نتائج الانتخابات التمهيدية القادمة «بوق قرن»لكبار المتبرعين للجمهوريين، تؤذن بدعم شاب أميركي جديد في بلاد تعشق التجديد، والخلاصة أنها انتخابات غير واضحة المعالم إلى حين إشعار جديد