ومقاطعة فلسطين رياضيًا أيضًا

غالبيتھم لا تستطيع دخول الدول العربية، وبالطبع يكاد يكون من المستحيل أن تمنح حق العمل فيھا. يعامل الفلسطينيون تمامًا ،« عرب إسرائيل » الفلسطينيون، ممن يسمون مثل الإسرائيليين.. ھكذا يكافأون، مع أنھم تمسكوا بأرضھم، وتحملوا لأجيال أذى النظام الإسرائيلي. يحظر على منتجاتھم أن تباع في الأسواق العربية، في حين أن اليھود الإسرائيليين لھم حظ أفضل في دخول الدول العربية، إن كانوا يحملون جوازات أوروبية أو أميركية. ولا يقل الأمر سوءًا عن معاملة الحكومات العربية لفلسطينيي الأراضي المحتلة؛ أھل الضفة الغربية وقطاع غزة. ھؤلاء ممنوعون من الخروج من قبل سلطات إسرائيل، وممنوعون من الدخول من قبل معظم حكومات الدول العربية، إلا إن كانوا يحملون وثائق أردنية أو مصرية، ومحرم على زيتونھم وبرتقالھم أن يباع إلا عن طريق وسيط أردني أو مصري، مما يجعل بضاعتھم أغلى ثمنًا! أما في الأسواق
الأوروبية فيعطى الفلسطينيون شيئا من الأفضلية.
وفوق ھذا، تحرم معظم الحكومات العربية على مواطنيھا زيارة فلسطينيي الضفة وغزة، ودعم سياحتھم، أو الاستفادة من خدماتھم. وحديثًا جدًا، رفض فريق سعودي أن يلعب مباراته المشروطة في الضفة الغربية، لأن ذلك أيضًا ممنوع.. يعتبرونه تعاملاً مع إسرائيل، واعترافًا بسلطتھا!
ولھذه المعاملة الغريبة الصادمة مبررات قانونية؛ إذ إن قرارات الجامعة العربية تلزم الحكومات العربية بعدم التعاطي مع إسرائيل، وكل ما يقع تحت يدھا. وللجامعة العربية قرارات على مدى ستين عامًا أضرت بالفلسطينيين وقضيتھم، وفشلت فشلاً ذريعًا في أن تخدش وجود إسرائيل كدولة، أو كنظام احتلال. كل ما فعلته قراراتھا أنھا آذت الفلسطينيين بمقدار يوازي الأذى الإسرائيلي للفلسطينيين، وأحيانا يفوقه. نجحت القرارات العربية في إفقار الفلسطينيين، ومحاصرتھم، وتركتھم يعيشون مسجونين في مناطقھم المحتلة، أو في مخيمات لبنان وسوريا والأردن، ويعيشون على القليل مما تقدمه المنظمات الدولية، كل يوم بيومه.
والأمر مختلف لفلسطينيي إسرائيل؛ حيث إن معيشتھم ربما أفضل، لكن مقاطعة العرب لھم لعشرات السنين جعلتھم ھوية أقرب لإسرائيل الدولة والنظام والشعب. ولو أنني لا أعرف من عمل ويعمل في الجامعة العربية، وتاريخ القرارات، لجزمت أن ھذه المؤسسة تدار بمؤامرة من تل أبيب، فما فعلته الجامعة العربية بالفلسطينيين
يرقى إلى جرائم إسرائيل؛ من حرمان وحصار وأذى، لكن نحن نعرف أن الطريق إلى جھنم معبدة بالنيات الحسنة. لقد فشلت فلسفة الجامعة العربية في مفھوم المقاطعة الھادف لمحاصرة المحتل، وثبت أنھا كانت خير عون لإسرائيل.. سھلت مھمة الاحتلال بتحريم التعامل مع الفلسطينيين في الداخل. وزار القدس، ومساجدھا وكنائسھا، من يھود العالم أكثر ممن زارھا من العرب، لأنھم ممنوعون من حكوماتھم العربية! ولم يعد للفلسطينيين من أمل، لھم ولأبنائھم، في حل سياسي أو عسكري، ماتت فلسطين بالنسيان والحرمان، وليس كله بالسلاح والاحتلال. وبرھنت السنين، وما فعله إخوتھم العرب، على أن القضية الفلسطينية ليست إلا مجرد كرة قدم يلعبون بھا لأغراضھم. وحتى كرة القدم الحقيقية ممنوع عليھم أن يلعبوھا على أرضھم، وإسرائيل ليست من تمنعھم، بل العرب يعتبرونھا تطبيعًا مع إسرائيل.
تأملوا ھذا المشھد الغريب جدًا: ممنوع الشراء منھم، أو بيعھم، أو زيارتھم، أو استقبالھم، أو الصلاة في مساجدھم، أو اللعب معھم؛ أعني الفلسطينيين! لا بد أن تكون الجامعة العربية مصابة بالصمم والعمى، حتى إنھا لا تميز بين الضحية والجلاد، وبين المحتل والمحتلة أرضه، وبين الفلسطينيين والإسرائيليين!
حان الوقت لإعادة النظر في كل مفھوم المعاملات مع فلسطين وإسرائيل، ولا بد من وقف ھذا العبث السياسي الذي أسس من قبل مجموعة من السياسيين العرب السذج، ممن ظنوا، قبل نصف قرن، أن الإسرائيليين سيحزمون حقائبھم ويعودون إلى نيويورك وسان بطرس ولندن، بعد أن تنتھي الإجازات. أفكار تمسك بھا مجموعة من
في وقت يدفع فيه ،« الأرجيلة » القوميين المتعصبين، الذين لا يملكون من أدوات الحرب سوى البلاغة الأدبية، يزايد بعضھم على بعض في مجالس مقاھي الشاي، وتدخين الثمن كل يوم خمسة ملايين فلسطيني، محاصرين داخل أرضھم المحاصرة مرتين؛ من العرب ومن الإسرائيليين.ا