شروط الملك تسقط نتنياهو


ثمة حقائق تتكشف بعد كل انتهاك صهيوني لحرمة المسجد الاقصى من قبل المتطرفين اليهود وتحت حماية قوات الاحتلال العسكرية. تجدد اقتحام المتدينين بتحريض حاخامات الارهاب للمقدسات خلافا للالتزام الذي اعلنه رئيس وزراء الكيان العبري بنيامين نتنياهو بشروط جلالة الملك عبدالله الثاني للتهدئة في القدس، يؤكد ان اسرائيل دخلت عنق الزجاجة وان خلافا داخليا عاصفا يتصاعد بين المؤسسة السياسية والمؤسستين العسكرية والدينية.

تجاهل جنرالات الارهاب في اسرائيل لما التزم به نتنياهو امام وزير الخارجية الامريكي جون كيري بان تعود الامور الى ما كانت عليه في القدس وان لا يدنس صهيوني واحد ارض الحرم القدسي الطاهرة ومحاولة احراجه امام عمان وواشنطن والمجتمع الدولي فيه رسالة بان السياسة لا مكان لها في التعامل مع الملف الفلسطيني وان التطرف المدعوم دينيا سيكون سيد علاقة المحتل الاسرائيلي مع الشعب الفلسطيني.

رضوخ نتنياهو لشروط الملك عبدالله الثاني وقبوله بتركيب كاميرات في محيط 144 كيلو مترا تحت الوصاية الهاشمية في القدس اعتبره قادة الاجهزة الامنية الاسرائيلية استسلاما وانهزاما ووأدا لمشروعهم الديني التاريخي ببناء الهيكل على ارض المسجد الاقصى.

ولذلك فهم تجاهلوا هلع وخوف الاسرائيليين من سكاكين وحجارة الغضب على تدنيس الاقصى وصعدوا من ارهاب دولتهم ضد الشعب الفلسطيني لاغلاق كل الطرق التي يمكن للسلام ان ينسل منها ويفرض عليهم ما رفضوه بان يكون للفلسطينيين دولة مستقلة وعاصمتها القدس.

فشل زعيم الليكود في تثبيت شروط الاردن على الارض في باحات المسجد الاقصى ومرافقه من اجل التهدئة، وفقدانه السيطرة على صناعة القرار في تل ابيب بدليل عدم توقف دورة العنف الفاشية الصهيونية في المنطقة الخاضعة للوصاية الهاشمية، يؤكد ان طريق الانتحار السياسي غدت سالكة بسهولة امام اليمين المتطرف وكذلك الكيان العبري في حال لم يتحرك لحماية نفسه بالعودة الى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين.

وزعيم حزب الليكود الحاكم في اسرائيل لم يدرك ان بالون الاختبار الذي فجره قبل طلبه التهدئة من الملك عبدالله الثاني في القدس اوقعه في فخ انتفاضة السكاكين التي لن تهدأ ما لم يخرج اصحاب القرار في اسرائيل من حكم القلعة التي ثبت انها اصبحت اكثر خطرا على امن الاسرائيليين.

فكل ما كان يفكر به نتنياهو قياس ردة فعل المجتمع الدولي على تلك الاقتحامات للمسجد الاقصى على امل ان يحقق للحاخامات والمتطرفين اليهود حلمهم باحتلال الحرم القدسي والسيطرة عليه والبدء بمشروعهم العنصري المجرم لهدم الاقصى وبناء هيكلهم.

اما انفجار غضب الفلسطينيين بطعن اليهود العسكر بالشوارع وحرق مدرعاتهم بقنابل المولوتوف الحارقة وتفريق قواتهم الاحتلالية بالحجارة، فلم يدخل في حسبة نتنياهو لقناعة تولدت لديه ولدى قادة اجهزته الامنية في تلك اللحظة ان الانتشار العسكري والفصل الجغرافي والانقسام السياسي الذي تعيشه مناطق الضفة الغربية لا يمكن ان يخلق ردة فعل ترتقي في مستواها الى حد نشر الرعب والخوف بين الاسرائيليين.

فما اكتشفه نتنياهو بعد أن اوقع نفسه في شر اعماله ان اهل القدس والضفة الغربية كانوا ينتظرون ساعة الصفر لاعلان انتفاضتهم وثورتهم الثالثة، والذين لم يجدوا ساعة افضل من تدنيس اليهود لساحة الحرم القدسي لتفجير غضبهم وتلقين اسرائيل درسا جديدا لن تنساه.

وبعد سقوط مصداقية نتنياهو المدوية للمرة الثانية امام الملك عبدالله الثاني، واضح ان التصعيد ضد المحتل في الاراضي الفلسطينية كبد اسرائيل خسائر مالية بمئات الملايين وعرض اقتصادها للخطر بعد ان شهدت بعض الدول الاوروبية نشاطا مدنيا ممنهجا بالتحريض على مقاطعة البضائع الاسرائيلية حتى لا تجد رصاصة تقتل فيها فلسطينيا بريئا اعزل.

الخسائر الاسرائيلية الميدانية والاقتصادية تتوالى، وهذا الحال سيفرض ذاته في داخل الكيان الصهيوني الذي ستتعالى فيه الاصوات المنادية بالسلام مع الفلسطينيين وكذلك داخل اللوبي الصهيوني العالمي الذي بدأ يتلمس ان قوته المنبثقة من تحكمه باقتصاديات الدول الصانعة للقرار الدولي باتت تتأثر بالتحول العالمي اليومي تجاه دعم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.

منطق الامور في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي سيفرض نفسه، فالخوف الذي يتعاظم كل يوم عند الاسرائيليين لا بد وان تكون نهايته بالانقلاب على حكم الحاخامات ومنح حمائمهم فرصة ادارة دفة قيادتهم الى منح الفلسطينيين حقوقهم المدعومة دوليا والمتفق عليها عربيا.

الدبلوماسية الاردنية بقيادة الملك تدرك تماما ان نتنياهو لن يلتزم بشروطها، والسبب ادراكها وعلمها ان صاحب القرار هي تلك الاحزاب الدينية اليمينية المتطرفة في حكومته والتي لا يستطيع الاختلاف معها ليقينه بان غضبها يعني سقوطه عن كرسي الحكم.