أين نقف اليوم؟!

أعلنت إدارة مكافحة المخدرات أنّها أحبطت تهريب 150 ألف حبة مخدرة إلى الخارج، أخفيت داخل أنابيب تمديدات صحية (مواسير). وهو خبر أصبح بالنسبة للقارئ الأردني عابراً وروتينياً، برغم أنّ الأرقام التي نسمعها عن إحباط عمليات تهريب مخدرات للداخل أو للخارج، هي أرقام مرعبة بالنظر إلى الكميات المذكورة.
إلى فترة قريبة، كان المسؤولون لدينا يرددون سيمفونية معروفة، هي أنّ الأردن ممرّ لتجارة المخدرات وليس مقرّاً لها. لكن السؤال المهم اليوم، والذي من المفترض أن يطرح بقوة في الأوساط الأمنية والثقافية والسياسية، هو فيما إذا كانت هذه القاعدة "ما تزال" صحيحة، أم أنّها صفحة وطويت، وأنّنا أمام خطر حقيقي يهدد أبناءنا والسلم الاجتماعي والأهلي!
ما نسمعه ونقرأه من قصص متداولة في كثير من المدن الأردنية، يدفع إلى قرع جرس الإنذار فوراً، والاعتراف بحجم الأزمة، والتخلّي عن "حالة الإنكار"، والتحلي بالشجاعة لإعلان الحقائق والمعطيات على الملأ. وهو أمر من المفترض أن يكون في صفّ إدارة مكافحة المخدرات، التي من الضروري أن يتم دعمها وتطوير عملها، وإسنادها من مؤسسات أخرى، كي نواجه التحول الذي طرأ على حجم ظاهرة المخدرات في الأردن، إذا كان هذا الاستنتاج صحيحاً.
المفارقة أنّ الأجهزة الأمنية قامت قبل أكثر من عام؛ وتحديداً في منتصف العام السابق، بعقد مؤتمر صحفي مهم للغاية، قدّمت فيه أرقاماً ومعطيات دقيقة عن حجم انتشار الجريمة في مختلف المجالات. وكان ذلك مفيداً جداً في صوغ مؤشرات الصعود والهبوط. لكنّ هذه الأجهزة لم تقدم لنا هذا العام إحصائية أو أرقاماً مماثلة، ولم تسر على هذه السُنّة الحميدة في الإفصاح.
حينها -أي منتصف العام السابق- أشار مدير مكافحة المخدرات، سامي هميسات، إلى أنّه في النصف الأول من العام 2014 تم ضبط 3863 قضية مخدرات. وأشار إلى أنّ عدد المتورطين في المخدرات ارتفع خلال الفترة نفسها إلى 5242 شخصاً.
لكنه، في المقابل، قلّل من وجود الظاهرة في الجامعات، وأشار إلى أنّ إدارته لم تسجّل أي حالة تعاط أو إتجار بالمخدرات داخل الحرم الجامعي، وأنّ عدد الطلبة الذين تم ضبطهم يتعاطون خارج الحرم الجامعي يصل إلى 497 طالباً فقط، بينهم 141 طالباً غير أردنيين.
حينها، أيضاً، علقتُ (في مقالٍ بعنوان: أرقام مطمئنة أم مقلقة؟!) على تلك النتيجة بأنّها غريبة؛ أي عدم وجود ظاهرة التعاطي لدى طلبة الجامعات، لما نقرأه ونسمعه من معلومات موثوقة ممن ابتلوا بهذه الآفة التي أصابت أبناءهم، وهم يتحدثون عن حجم انتشارها.
أمّا اليوم، فإنّ القصص التي نسمعها ترفع من منسوب الخوف لدينا كثيراً بشأن حجم الانتشار لهذه الآفة؛ ليس فقط بين الشباب أو طلبة الجامعات، بل حتى طلبة المدارس، بخاصة مع الأسعار الرخيصة التي أصبحت تباع بها الحبوب المخدرة، والطريقة الشعبية التي يتم توزيعها بها في كثير من الأماكن!
أحد السياسيين الكبار أخبرني أنّه كان في أحد مراكز الإصلاح والتأهيل (السجون) لقضية معينة، فتفاجأ بأنّ عدد الموجودين في هذا المركز ضعف العدد المقدّر لسعته. وعندما سأل مدير المركز المذكور عن سرّ هذا العدد الكبير، أجابه بأنّ أغلبيتهم من الشباب المرتبطين بقضايا المخدرات.
نأمل من مديرية الأمن العام أو وزارة الداخلية أن يتم عقد مؤتمر صحفي شبيه بذلك الذي حدث في العام الماضي، لإطلاعنا على الأرقام التي بحوزتهما عن المخدرات والجرائم المختلفة، فهي مؤشرات مهمة لإدراك أين نقف اليوم!