الانتخابات التركية.. أسئلة برسم الوقت

النظام الانتخابي التركي معقد، فبينما تمكن حزب العدالة والتنمية من الحصول على نحو ثلث الأصوات في انتخابات سنة 2002 إلا أنه حصل على 363 مقعداً، وعلى الرغم من حصده لقرابة نصف الأصوات في الانتخابات الأخيرة إلا أن حصته توقفت عند 316 مقعداً، ونسبة المقاعد لا تبدو مهمة، فهو يستطيع أن يشكل حكومة منفردة كانت مستبعدة بناء على نتائج حزيران من العام الجاري، ولكن التساؤل المهم يجب أن ينصرف لخارطة التصويت التركية التي نقلت العدالة والتنمية من مأزق حقيقي قبل بضعة أشهر، ليحصل على أغلبية مريحة حالياً.
الوضع الاقتصادي التركي يأتي في غير مصلحة المواطن البسيط، فانخفاض الليرة التركية مقابل الدولار بنحو 25% خلال السنة الماضية أدى إلى تراجع القدرة الشرائية للأتراك، والمستفيدون، وهم أصحاب المصانع والمرافق السياحية، وهم بالتأكيد لا يمثلون كتلة تصويتية كبيرة عددياً، ولكنهم يمتلكون تأثيراً سياسياً واسعاً من خلال مواقعهم القيادية في مجتمعاتهم المحلية، وكذلك فإن اتهامات وجود المال السياسي لم تكن لتتغيب من انتقادات منافسي العدالة والتنمية، ولكن حتى لو وجدت هذه الظاهرة في الانتخابات التركية الأخيرة فهي لا تصلح لتفسير قفزة التنمية والعدالة.
الحزب يستند على مجموعة من المعادلات التي ترضي قطاعات واسعة من الأتراك، وخاصة في مدن الأناضول التي تشكل قاعدته الواسعة والعميقة، فمن ناحية يتسم الحزب بطابعه المحافظ اجتماعياً وهو الذي يرضي أبناء المدن الصغيرة، كما أن للحزب منجزات نوعية لا يمكن إغفالها في التقدم بالأوضاع الاقتصادية للفئات البسيطة من أهالي الأناضول، بينما كانت المكتسبات الأساسية تذهب سابقاً لأسطنبول ومعها أزمير وبورصة، وبالتالي، فإن للحزب أرضية مضمونة لا يستطيع المنافسون التقدم لها والتأثير فيها، بينما يستطيع التنمية والعدالة أن يصوغ تسويات أخرى تكتيكية في اسطنبول والمدن الرئيسية، والمفاجأة، أن التنمية والعدالة يستطيع أن يؤثر في المناطق والتكتلات الكردية أيضاً، ففي مقابل الانتصار الذي حققه التنمية والعدالة ثمة خسارة جسيمة لحقت بحزب الشعوب الديمقراطي وهبطت بحصته من المقاعد البرلمانية من 80 مقعداً في حزيران إلى 59 مقعداً في انتخابات الإعادة.
الرهان الكردي والتصعيد الذي اعتمد عليه زعيم حزب الشعوب الديمقراطي صلاح ديميرتاش أتى بنتائج عكسية، ويبدو أنه لم يتمكن من خلق حالة كردية متماسكة كانت ستدفع لتعقيد الموقف وربما للإطاحة برجب طيب أردوغان شخصياً الذي كان سيتحمل المسؤولية الأدبية والسياسية في حالة فشل التنمية والعدالة، ويثبت التصعيد بين حزب العمال الكردستاني من جهة والجيش التركي من جهة أخرى، أنه من غير الممكن التعامل مع الأكراد بوصفهم كتلة واحدة في تركيا، أو في أي مكان آخر، وهو الأمر الذي يزيد من الوزن النسبي الذي تشكله تركيا إقليمياً.
تتوزع المواقف العربية من فوز التنمية والعدالة بين المتحمسين بشدة، والمحبطين إلى أبعد الحدود، وهذه ليست مسألة جديدة، فالعاطفية والمبالغة في تقدير الأمور من الطباع السياسية والمعيشية العربية، ولكن كل انفعالات الكلاسيكو التي شهدتها الانتخابات التركية في الساحة العربية لم تكن ترجمة لواقع المشكلات العربية لدى الناخب التركي والذي كانت أولوياته المعيشية تتقدم على استراتيجية أردوغان في سوريا أو موقفه من مصر.
على الرغم من ذلك، يتبقى مجموعة من الأسئلة المهمة، ولكنها مبكرة، تتعلق أساساً حول صفقات ربما تمت من تحت الطاولة، وتحالفات قد تتضح معالمها قريباً، كما أن تساؤلاً آخر يثيره الفضول حول قدرة اتساع التنمية والعدالة على استيعاب أردوغان وغول وأوغلو سوية؟