سر الورقة الزرقاء

ربما أكون قرأت قصة قصيرة مشابهة في صغري، لكن هذه الفكرة تتملكني، وأنا مضطر لروايتها لكم فتحملوني .على انغام الموسيقى الصاخبة والعتمة المصطنعة التي تزيدها انفاس الأراجيل غموضا وهيبة: نظر الرجل الوحيد الى فتاة وحيدة تجلس على طاولة قريبة. ابتسمت الفتاة. - تبدو وحيدة مثلي ....لماذا لا اذهب واجلس معها، او لعلني ادعوها لطاولتي ....لكنني اخشى ان يكون صديقها في المرحاض، وسوف يعود ويجدني معها، فيوسعني ضربا... يا للفضيحة!.الفتاة اخرجت سيجارة ووضعتها في فمها، لكأنها بانتظار ان يقوم الرجل ويشعلها. - اقوم .... لا اقوم ....هل سيأتي صديقها؟ ..... سوف اقوم الان ..الان ... لا لا سياتي .... تركت الفتاة سيجارتها، فتحت شنتتها ـ اخرجت قصاصة ورق زرقاء ..كتبت عليها شيئا ما، ثم نهضت فجأة، ومرت من جانبه، رمت الورقة على الطاولة امامه، وخرجت. بهت الرجل، امسك بالورقة، انها لغة غريبة ..هل هي الألمانية ام الروسية .....أم....نسي المرأة، وأراد ان يعرف ما هو المكتوب في الورقة الزرقاء. لم يكمل سهرته، عاد الى البيت، لم يستطع ان يطبع الكلمات على الجوجل لأن تشكيلتها لا تتناسب لا مع الحروف العربية ولا الإنجليزية المتوافرة . لم يكد الصباح ينبلج حتى انطلق الى صديقه مدرس اللغات في الجامعة، وجده على باب سيارته يستعد للذهاب الى الجامعة، فطلب منه ان يقرأ له المكتوب في الورقة الزرقاء. - شو هالحكي ع الصبح.. صحيح انك ما بتستحي ع حالك. ورمى صديقه خبير اللغات الورقة على الأرض وانطلق بسيارته غاضبا. تذكر جدته لأمه التي جاءت من الغرب، وتتقن بضع لغات انطلق اليها، أراها الورقة فقالت له: - عيب عليك يمّه شو هالحكي ما بتستحي ع حالك؟ رمت جدته الورقة على الأرض. حملها وعاد الى الملهى الليلي، سأل عن سكن النادلات واراهن الورقة، تبادلت النادلات النظر في الورقة، ثم اخذتها واحدة منهن، ثم رمتها وقالت له بغضب: - غيب عليك ...انته واهد ما بستهي ههالك!!. ثم برطمت بضع كلمات بلغة غريبة، وطرقت الباب وراءها. اخيرا قرر ان يذهب الى السفارات، فعاينها واحدة واحدة ...الى ان دلوه على السفارة المعنية بتلك اللغة. طلب مقابلة السفير، وشرح له الوضع كاملا، وطلب من السفير ألا يغضب من الورقة، وان يترجمها له بشكل حرفي ومحايد. وافق السفير وطلب ان يرى الورقه. مد الرجل يده في جيبه فلم يجد الورقة، بحث في الجيب الأخرى ..والأخرى ..والمحفظة ..... لم يجد الورقة قط حتى الان. نحن جميعا ..هذا الرجل الذي امتلكه هاجس الورقة فضاع بين السفارات ......دون ان يجد الحل ..وسيبقى مأزوما الى الأبد ان لم ينس ورقته الزرقاء تماما. -