وأخيرا نطقها كلينتون. عرفات برئ!

حسن عصفور

 

لنترك الاسرائيليين يحييون ذكرى اغتيال رئيس وزرائهم الأسبق اسحق رابين، كما يحلو لهم، وليقل كل منهم ما شاء القول في ما حدث، سواء من يراها "جريمة فاشية منظمة”، قادها اليمين الاسرائيلي وفي المقدمة منهم، هذا "الغر السياسي الصغير” نتيناهو، أو أنها جريمة فردية نتجت عن تعئبة حاقدة، فتلك مسألة تخصهم..
لكن ما يخص الفلسطيني، الباحث عن "الحق السياسي” في مغزى تلك الجريمة، وأبعادها، ليس وضع الأسئلة "الغبية البلهاء، كما :على إسرائيل أن تختار..؟!”، والتي تبحث منذ سنوات عن إجابة لها، دون طائل أو فائدة، بل ولن تجد لها جوابا ابدا مع هؤلاء "الفاشيون الجدد” في تل أبيب..
الأبرز، فيما كان من إحياء ذكرى "الجريمة المنظمة” لإغتيال رابين، هو ذلك الاعتراف السياسي للرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، في تحديد من كان "العقبة في طريق السلام”، ولا زال، رغم أنه متأخرا جدا، وبعد حملة تضليل وتشويه منظمة قادتها دولة الكيان وبعض الأطراف الصهيونية في الإدارة الأمريكية ضد الخالد ياسر عرفات، حملة مشبوهة ومشوهة جاء من يكشف الغطاء عما كان بها..
كلينتون، وبعبارات قصيرة جدا، لخص "الرواية السياسية” لمسار السلام المفترض أنه كان سيكون، وعن حقيقة قتلة رابين ولما كان ذلك، كان "ماضٍ نحو التوقيع على اتفاق سلام مع الفلسطينيين مع جدول زمني لـ3 سنوات”، و "أنه لو لم يقتل رابين لكان قد أقام السلام مع الفلسطينيين”..هكذا قال كلينتون، ناطقا بالحق الغائب طويلا، وصمت منظم ومقصود، رافقه "صمت المنظومة الرسمية الفلسطينية” من قولها، فيما قام أحدهم بالحديث الكاذب والوهمي عن قصص ليست من الحق، مدعيا "بطولة زائفة”، رغم أنه كان يقينا أحد السكاكين الأهم في ظهر الخالد..
ما نطقه كلينتون، يحدد، أن رابين كان يبحث "السلام”، ولو لم يقتل لأقام السلام..وهل يحتاج الإنسان لأكثر من هذا التلخيص المكثف، للكشف أن "قتلة رابين” هم من لا يريدون السلام، وأنهم فعلوا ما فعلوا لأنه أراد بناء سلام في زمن سياسي محدد، ولنترك "التخمين” فيما كان سيلتزم بكل ما كان بالاتفاق، بل يمكن القول أنه تلاعب بجوهره في الاتفاق الانتقالي، لكن الأساس هنا ليس محاكمة رابين في الاتفاق، بل محاكمة قتلة رابين سياسيا..
عندما يعلن أحد أهم رؤساء أمريكا، أن قتل رابين منع "إقامة السلام مع الفلسطينيين”، وبعد سنين من الكذب والتضليل، بأن الفلسطينيين هم من لا يريد السلام، فتلك مسألة جوهرية في تصويب الرواية السياسية، خاصة بعد أن أعلنوا، منذ زمن بعيد، ان "لا شريك فلسطيني”، قالها الغر السياسي، منذ عام 1996، رغم أنه جاء لتدمير "إرث رابين لبناء السلام”، وكررها الغبي المتغطرس يهود براك، وبصمت الادارة الأمريكية بعد قمة كمب ديفيد عام 2000..
ومن هناك قررت تل أبيب التخلص من الخالد، وبتواطئ مع أطراف من "الداخل الفلسطيني”، بدأت ترتيبات "وراثة عرفات” في إطار ما عرف في حينه - ما بعد عرفات - بسلسلة من التحضيرات، تقرير ميتشيل وما به من تحميل مسؤولية للطرف الفلسطيني، خريطة الطريق وفتح الباب أمام خيار "الدولة المؤقتة – دولة الجدار”، فحصار الزعيم تمهيدا لتدشين المحطة ما قبل الأخيرة في تصفية زعيم، بـ”صناعة رئيس وزراء بالمقاس الأمريكي”، وتغيير القانون الأساسي لسحب صلاحيات رئيسية من الخالد ابو عمار، ومنحها لـ”البديل المفروض قهرا عليه”..
ووصلت أخيرا لمرادها باغتيال الزعيم الخالد، وبدأت رحلة فلسطينية جديدة، تفترق مع مسار الزعيم، مارست بها دولة الكيان كل ما يحلو لها، استيطانا وتهوديا وقتلا، بل شنت حروبا ثلاث على قطاع غزة، تركت ما تركت من دمار وخراب، كانت كافية لحرق كل الاتفاقات، حروب أنتجت جرائم أجبرت الأمم المتحدة، أن تصدر أول تقرير لها يتحدث عن "جرائم حرب - تقرير غولدستون”، والذي قام الرئيس محمود عباس بحرقه علانية كي لا يدخل في "معركة مع دولة الكيان والإدارة الأمريكية”..
تصريحات كلينتون أزالت كل اللثام السياسي الكاذب الاسرائيلي - الأمريكي، ووضعت المنظومة الرسمية الفلسطينية، خاصة مؤسسة الرئاسة وفريقها الخاص، أمام إحراج وطني، بعد أن ظهر الحق السياسي وبان واضحا، ان قتلة رابين الحاكمين الآن لا يريدون السلام..
السؤال الآن، للرئاسة الفلسطينية وفريقها، الآن عليكم الاختيار: فك الارتباط بدولة الكيان والاتفاقات معها، واعلان دولة فلسطين كما قررت الإمم المتحدة، أم فك الارتباط بالشعب والبقاء في "جلباب الخداع الوطني”..الخيار لكم وزمنه ليس طويلا..
ملاحظة: من المفارقات السياسية ، ان يعلن الرئيس محمود عباس أنه لن يلغي اتفاق أوسلو ولن يدعو لمقاطعة اسرائيل ، بل بضائع مستوطناتها، وبين دعوة أحد أهم وزراء نتنياهو، أن خيار "حل الدولتين” إنتهى..أقوال للمقارنة لا أكثر..عل الفلسطيني يكتشف عمق الخنوع السياسي لبعضهم!
تنويه خاص: التذكير بالجريمة السياسية الأكبر في القرن الماضي نحو فلسطين - جريمة بلفور- واجب وطني وسياسي..قديما كانت المناسبة حاضرة في المدارس كي لاننسى أصل الجريمة..هل لا زال البعض متذكرا أم أنه يعمل على تناسي ونسيان أصل الجريمة..للعلم الشعب لا ينسى لا المجرم ولا من أطال عمره! 
عن موقع أمد الفلسطيني للاعلام

 

-