التحرّش والقُمامة !!

الواقع العربي بكل ما يعجّ به من اعاصير خلعت الأبواب والنوافذ وكشفت المستور يتوارى الان خلف ظواهر من طراز التحرش بالنساء وأزمة القمامة ومعارك الفيسبوك التي طوّرت ثقافة النميمة .

وهذه ليست المرة الاولى التي يُثار فيها مثل هذا الغبار والدخان كي يحجب المشهد، وسبق لمحترفي تهريب الواقع ان اصطنعوا قضايا تصرف الانتباه عما يجري من احداث ودماء ودموع .

حدث ذلك في مطلع القرن الماضي عندما كان الوطن العربي مسجى على المائدة وحوله السكاكين، وتكرر مرارا، وكأن هذه الاستراتيجية لم تفقد صلاحيتها، فما الذي طرأ علينا ؟ او بمعنى أدق هل اتضح كل هذا القبح وتراكمت هذه القُمامة عندما سقطت الأقنعة !

لم يكن في ستينات القرن الماضي واحد بالمئة من عدد الجامعات والمعاهد التي ينافس عدد المولات ومحطات البنزين اليوم، ولم تكن ظواهر كالتحرش والنفايات تشغل الناس، رغم انهم كانوا اكثر تقدما مما هم الان، ولم يكن احد يتحدث عن التحرش رغم ان ملابس النساء كانت اكثر اثارة مما هي الان، وكنّ ايضا سافرات ويختلطن بالرجال في كل المجالات، اما الحراكات والمظاهرات فقد كانت مكرّسة للاستقلال وللقضية الفلسطينية واحلام الوحدة، لكن بعد عدة عقود من التقدم الى الوراء، وبعد ان دخلت التكنولوجيا في اكثر منجزاتها تعقيدا الى كل البيوت اصبحنا نتظاهر من اجل تحرير شوارعنا من الزبالة .

والمفارقة الان هي ان النساء في فلسطين يتحرشن بالاحتلال بواسطة السكاكين والشباب يحرسوهن، ويبدو ان مصطلحات مثل التحرش والقمامة بحاجة الى اعادة تعريف، فالتحرش السياسي اصبح جنسيا والقمامة التاريخية التي تراكمت في أزمنة الانحطاط والتبعية اصبحت قشور فواكه وبقايا لحم وعظام وخضار وعلب فارغة .

وهناك مشهدان مُتناقضان الان في العالم العربي فيما يتعلق بالقمامة، الأول شكوى من تراكمها وما سوف تنتجه من اوبئة بعد ان حلّ الشتاء ، ومشهد آخر لرجال ونساء واطفال ينتظرون هذا التراكم كي ينبشوه بحثا عن كسرة خبز يابسة او بقايا زيت في زجاجة تسللت اليها الحشرات .

العالم كله الان يتحرش بنا سياسيا وعسكريا ويغتصبنا في بعض المواقع ونحن متفرغون للتحرش بنسائنا والعالم يبحث عن امكنة يدفن فيها نفاياته النووية ونحن لا نجد مكانا لدفن نفايات اجسادنا !!