أردوغان إذ يكرم أو يهان

فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية التي تجرى غدا في تركيا مضمون ولا يختلف عليه أحد. لكن السؤال الكبير الذي يشغل الجميع وتتباين بشأنه الاستطلاعات هو نسبة الأغلبية التي سيحصل عليها الحزب. وهل ستمكنه من الحكم منفردا. أم أنها ستضطره إلى الائتلاف مع غيره من الأحزاب. أما ضمان الأغلبية فمرجعه أن حزب العدالة والتنمية الذي ينفرد بتشكيل الحكومة منذ أكثر من ١٢ عاما تراجعت نسبته في الانتخابات التي جرت في شهر يونيو الماضي لأسباب يطول شرحها، ثم فشلت جهود رئيس الوزراء المكلف الدكتور أحمد داود أوغلو لتشكيل حكومة ائتلافية، الأمر الذي اقتضى إجراء انتخابات مبكرة للاحتكام إلى الرأي العام وحل الإشكال.
الصراع الحاصل على أشده بين ٤ قوى سياسية هي: حزب العدالة والتنمية الذي يؤيده أغلب الإسلاميين والمتدينين، وكان قد حصل في انتخابات يونيو الماضي على ٤١٪ من الأصوات ـ يليه حزب الشعب الجمهوري الذي يمثل أغلب العلمانيين وقد حصل على ٢٥.١٦٪، ثم حزب الحركة القومية الذي يعبر عن التيار الطوراني١٦.٥٠٪ وبعده حزب الشعوب الديمقراطي الذي يمثل أغلب الأكراد ١٣٪.
لكي ينفرد حزب العدالة بتشكيل الحكومة هو بحاجة إلى ٤٣٪ من مقاعد البرلمان، وهى نسبة تشكك فيها بعض استطلاعات الرأي. منها مثلا أن مؤسسة «جازيجى» التي أعلنت في ٢١ سبتمبر الماضي أنها أجرت استطلاعا أشار إلى تراجع حظوظ حزب العدالة والتنمية بحيث إن نسبة تمثيله في البرلمان ستكون في حدود ٣٩.٣٪، في حين أن حظوظ الأحزاب الأخرى ستكون أفضل. إذ سيحصل حزب الشعب الجمهوري على ٢٨.١٪ وحزب الشعوب الديمقراطي على ١٣.٥٪ من المقاعد. إلا أن صحيفة «وول ستريت جورنال» ذكرت في ٢٧ أكتوبر نتائج أخرى تحدثت عن ٤٢٪ من الأصوات لصالح حزب العدالة والتنمية و٢٧٪ لصالح حزب الشعب الجمهوري (مقابل ٢٥٪ في الانتخابات السابقة). وقال لي أحد القياديين في حزب العدالة في اتصال هاتفي إنهم كلفوا شركة استطلاعات كبرى بإجراء استقصاء للنسب المتوقعة، وأن النتيجة التي أبلغوا بها يوم ٢٥/١٠ تحدثت عن نسبة تأييد للحزب قدرت بـ٤٤٪. الأمر الذي يمكنه من الانفراد بتشكيل الحكومة.
هذه كلها اجتهادات تتفق على فوز حزب العدالة بالأغلبية خصوصا أن الفرق كبير بينه وبين حزب الشعب الجمهوري الذي يليه في الترتيب (نحو ٢٠ نقطة). وستحدد نتائج التصويت غدا ما إذا كان الحزب سينفرد بالحكم أو سيلجأ إلى تشكيل حكومة ائتلافية مع غيره من الأحزاب.
وهناك خياران آخران مستبعدان أحدهما أن تشكل الحكومة من أحزاب الأقلية وهو ما أظن أن الرئيس أردوغان سيرفضه لأنه يريد أن يكون له دور أساسي في إدارة الدولة. أما الخيار الآخر فهو أن تجرى الانتخابات لمرة ثالثة وهو ما أستبعده أيضا لأن أوضاع البلد الاقتصادية والسياسية لا تحتمل انتخابات برلمانية ثالثة في عام واحد.
قرأت تصريحا لرئيس مؤسسة البحوث المتوازنة التركي حسن بصرى يلدز ذكر فيه أن الدراسات التي أجرتها المؤسسة التي يرأسها دلت على أن ٦٥٪ من الناخبين الأتراك يفضلون أن ينفرد حزب واحد بالسلطة وبتشكيل الحكومة. ولا تفسير لذلك سوى أن خبرة الأتراك مع الحكومات الائتلافية خلال العقود السابقة كانت غير مطمئنة وغير مشجعة. ذلك أن اشتراك مجموعة من الأحزاب الفرانية في تشكيل الحكومة كان سببا دائما لعدم الاستقرار والفوضى، الأمر الذي استدعى تدخل الجيش من خلال انقلابات كانت تتم كل عشر سنوات تقريبا.
لست واثقا من صواب تفرد حزب واحد بتشكيل الحكومة لأكثر من ١٢ عاما. رغم أن ذلك ما يسعى إليه حزب العدالة والتنمية ويضغط لأجله الرئيس رجب طيب أردوغان. ذلك أنه حريص على أن يمرر بأغلبية حزبه التعديل الذي يبتغيه للدستور بهدف الانتقال بالبلد إلى النظام الرئاسي المطبق في الولايات المتحدة. وإذا كان ذلك في مصلحة الحزب المهيمن، إلا أنني أشك كثيرا في أنه لمصلحة النظام الديمقراطي أو عافية الحياة السياسية. إذ لا يشك أحد في أن مشاركة الأحزاب الأخرى في الحكومات الائتلافية وتداول السلطة مع قيادات تلك الأحزاب يعزز من النظام الديمقراطي. فضلا عن أنه يقوى الأحزاب بمختلف اتجاهاتها، وهو ما يضيف نقاطا عدة إلى رصيد عافية المجتمع وقوته السياسية.
هذه الخلفية تسوغ لنا أن نقول إن هدف إجراء الانتخابات ليس فقط تمكين حزب العدالة والتنمية من الانفراد بتشكيل الحكومة. ولكنه أيضا توفير الأغلبية التي تحقق للرئيس أردوغان رغبته في تعديل الدستور وتطبيق النظام الرئاسي. ولست أبالغ والأمر كذلك إذا قلت إن نتائج الانتخابات ستكون في حقيقة الأمر تصويتا على مشروع أردوغان. لا خوف من إقبال الناخبين الأتراك الذين يقبلون على الاقتراع بحماس مشهود، حتى أن نسبة المشاركة في انتخابات شهر يونيو الماضي بلغت ٨٥٪ (لا تقارن من فضلك)، لأن رأى أولئك الناخبين هو الذي سيحسم الأمر، فإما أن يكرم أردوغان أو يهان. وحين يعبر الشعب عن رأيه بمثل هذه الدرجة من الإقبال فينبغي أن تسمع كلمته. وحتى إذا حسدناه فينبغي أن ننحني له احتراما.