الاصلاح المستحيل

هُنالك عوامل مهمّة تُحَدِّد فيما اذا كانت عمليّة الاصْلاح التي تتبنَّاها الحكومة على جميع المستويات ناجحة وتسير بخُطى صّائبة على المدى القريب والمتوسّط والبعيد , وهذه المؤشّرات ليست بدلالة التّصريح والإعلام الرّسمي المُضلّل بقدر ما هي اثر ملموسٍ ينعكس ايجابياً على حياة المواطن ومقدار من قيمة حقيقيّة أنتفع وتَخطّى بها حواجز من الفقرٍ والبٍطالةٍ والتّنمية والتّعليم والعدالة على المستوى البيانيّ المحلي,ومن خلال ما نراهُ على أرضِ الواقع يتّضحُ لنا المسافات الوهميّة الاصلاحيّة التي يُصرّح المسئول باجتيازها بعد فترة السّنوات القليلة الماضية و الاستثمار السيّاسي المُخيف لمفاهيم التّنمية والشفافيّة والامن على حساب الوقت والمال من جهة ومُستَقبل الطّبقة الكادحة التي تدفع وتأمل منْ جهةٍ اخرى....
لحالتنا الاردنيّة العامّة استثناءٌ كبير فيما يَتعلّق بالدور النهضويّ الاقتصادي وكَمّ الصلاحية اللذان يمكن انْ يُمنحا للحكومات المختلفة وأخرَها الحكومة الحاليّة , وهذا الاستثناء لهُ مرجعيّاتٍ تاريخيّةٍ تحومُ جميعها على نقطةِ على رأسِ الأهميّة فحْواها أنّ من يتولّى ويُخطّط وحتّى تَصِل احياناً الى منْ يُنفّذ عملية الاصلاح والتنمية ليس بالشّخصِ المناسبِ المؤهّل فكرياً وثقافياَ وأخلاقياَ بالتخصيص لا بالتعميم , والسّبب يعودُ الى الطّرق والأساليب التي وَصَلَ بها الى مِنصّة القرار أو مستوى التخطيط والتنفيذ و التي في أغلبها تتمثّل في المعاضل نفسها التي هُمْ أنفسهم يحاولون اقناعنا بجهودهم في القضاء عليها من محسوبيّة وأقليميّة وظلم وظيفي الى المزاجيّة والشّخصنة ...هنا ما زال يُحكمُ بجميع القضايا امّا بتقيّيدها ضِدَّ مجهول أو أنْ تذهب بالتقادم و المجني عليه هو دائماً مواطن منتمي منتظر جلسة استئناف ملكية... 
المُستهجن في أرشيفِ معظم الحكومات وعلى مرأى ومسمع من ينظّرون عن الديمقراطيّة في المحافل الدوليّة اننا لم نرَ يوما تصريحاً على مستوى رئيس وزراء أو وزيرٍ أو مدير مؤسَسة أو شركة حكوميّة يعتذر فيها عن خطأ حدث في الخطّة أو قصورٍ في الاداء و سوء تقدير ادى الى نتيجةٍ سلبيّةٍ أثَّرت امّا معنويّاَ أو مالياً على حالة الوطن والمواطن, بل أنّ جميعهم قد أتْقنوا أعمالهم وحقّقوا نتائج مذهلة لم يسبق لمن قبلهم أنْ أتوا بشيءً منها خاصة بعد أنْ تلحق بذيل مشوارها رسالةُ شُكرٍ في تناقضٍ غير مفهوم ...وهذا ما يُقلق المُمول والمتابع والمنتمي في مصداقية هؤلاء خاصة وأنّ المُعاناة مستمرّة بل وتتضاعف بسرعة جنونيّة ... لم نقرأ حتّى الان في سجلات الارشيف المخزي من قال : نحن مُستمرّون بسباق التتابع من تنمية وإصلاح على اثر سلف حاول واجتهد ومُمْسكونَ بعصا التّقدّم بكل جِديةٍ وإخلاصٍ وأمانة الى ان نسلمها من يخلف... وكأنّ المجموعة الجديدة هي من دَحَرت السّحرة الذين تجمعوا بعد ان تخيل للمسحورين من فَسادهم أنّ العصا تسعى...
يتعلّق من يُعاني مرارة الجوع والألم الاجتماعي والمادي ببصيصِ أملٍ يتشبّث به علّ وعسى يكون الغدُ أعدل واخلص وأأْمن , لكن امله هذه الايام تداعى وانهار بعد ان آمن أن ذلك الضوء مجرد سراب ما دام انعكاسه قادم من زوايا انانيّة وأركان في المدنيّة ضيقة الرؤى ضعف أساسها بفساد مكوناتها , وبالرّغم منْ توفّر فاخرٍ للنُّخبة والعبقريّات الوطنيّة في شتى الحقول والميادين إلا أنّ هناك تحييدٌ مزمنٌ لتلك الفئات بسبب ما يخيّم على المبادرة التنمويّة الاصلاحية العليا على مدار الايام والسنين من قرارات حاسمة مراوغة بدواعي سياسيّة وأمنيّة تطغى على اي نفسٍ يشهق بالتقدم والنموّ...
لا نُناقش هنا مِهنة وزير خارجيّة يستمر لعشرة سنين او يزيد ما يهمنا انْ ينجح وزير الزّراعة في تحقيقِ انجازٍ يُنْعِشُ به الاقتصاد بمواكبة مع متطلبات العصر وبالتوازي مع تحسين اوضاع المزارع البائس..ما يفرحنا انْ نثق بأنّ هناك وزير تربية يرتقي بالتعليم و يُوجّه الكوادر ويستثمرُ المنَاهج في تخريجِ أجيال بفكرٍ واعٍ وفرص واسعة لخوض غمار الحياة بكل حيوية وجدية وعزم...ما نريده من وزير النقل انْ يَكسبَ الوقت الذي يضيع في الشوارع مع قصر المسافات وأنْ يطور وسائل النقل لتُلقي على معنوية ونفسية الموظف المنتج اثراً ايجابياً وحافزاً لمزيد من الانتاج بإخلاص وأمانة , وتكون كذلك مظهراً حضارياً للمقيم والعابر والسائح , ما يُربكنا في الداخلية أنْ تستمرّ على نهج فرّق تُسد , وأنْ تبقى في صومعة هيبة الدولة التي باتت كعنوان ارهابي يغتال الرأي الأخر وضح النهار ويأدُ كل محاولة شعبية في احراز دعم يؤيد الموقف السياسي والقضايا التي تكون المسيرة فيها موافقة عامة ومتطلب اجباري لا مفر منه ولا غيره يثبت الحقوق , وما يقض مضجعنا انْ تتسكّع المخدرات في شوارعنا ومدارسنا والمسئول امّا حاضر وتلك مصيبة او غائب وتلك الكارثة او الاثنان معا وهذه الطّامة الكبرى...
ليس سهلاً ان نحارب الفساد بعد أنْ تجّذر وأصبح ثقافة ويحال ان نتقدّم خطوة أصلاحية واحدة والمصلح لا يصلح, ولا يمكن أنْ نُحقّق نتيجة ايجابية ملموسة والاهداف ما زالت ضبابية لا تراها القلوب المبصرة والعقول المفكّرة ...ولكن بثلة قليلة مفكرة مخلصة يتحقق المستحيل....
للحديثة بقيّة...
shnaikatt@yahoo.com