وفاة العمال المصريين تكشف مأساة أردنية

كشفت حادثة حريق حاويتي المفرقعات والألعاب النارية في جمرك عمان قبل أيام، جانبا آخر من المعاناة للطبقة العاملة، لا تقل مأساوية عن الجانب الرئيسي للحادثة، والذي تمثل في وفاة 8 عمال وإصابة 11 آخرين، بعضهم بحالات خطرة، لغياب شروط السلامة العامة وسوء التخزين لمثل هذه البضائع والمواد.
فقد تبين، ضمن ذيول الحادثة وتداعياتها، أن عددا من العمال المصريين المتوفين بالحادثة، أو ممن أصيبوا بجروح فيها، لم يكونوا قد أشركوا في الضمان الاجتماعي، من قبل مشغليهم، ما يعني حرمانهم وورثتهم من حقوق تأمينية وتعويضات الوفاة والإصابة، وكلف العلاج للمصابين. ولم نعرف بعد إن كان بين الاردنيين المتوفين أيضا أو المصابين في الحادث المذكور، من هو خارج مظلة التأمين الصحي، بحيث ينطبق عليه ذات الوضع السلبي.
قد يكون من حظ ورثة المصريين المتوفين والمصابين في هذا الحادث الأليم، أنهم وجدوا اهتماما رفيعا من حكومتهم، التي بادرت إلى إيفاد وزيرة الهجرة وشؤون المغتربين المصرية نبيلة مكرم إلى عمان، والتقائها بوزير العمل ومسؤولي الضمان الاجتماعي، لغاية محددة، وهي بحث حقوق المتوفين والمصابين المصريين.
لن نظلم مسؤولي وزارة العمل والضمان الاجتماعي، ونقول إن حضور الوزيرة المصرية والاهتمام الحكومي المصري اللافت والمحترم بحقوق عدد متواضع من عمال مصريين، هو ما اضطر "الضمان" والوزارة إلى التعامل بصورة استثنائية مع هؤلاء المتضررين المصريين في الحادث، بالرغم من أن تجارب عديدة لحالات أردنية سابقة لم تكن تقدم مؤشرا إيجابيا على هذا الصعيد.
وزير العمل ومسؤولو "الضمان" أكدوا أمام الوزيرة ان "الضمان" ستلجأ الى شمول المتوفين والمصابين المصريين بأثر رجعي، رغم أن مشغلهم لم يشركهم بالضمان، كما يقتضي القانون، ما يترتب عليه تأمين هذه الحالات وورثتهم بحقوق ورواتب تقاعدية وتأمين علاج ومساعدات طارئة، على أن تقوم مؤسسة الضمان بمتابعة الأمر مع الشركات المشغلة لهؤلاء العمال، وإلزامها بما يترتب عليهم للضمان.
لا تستطيع إلا أن تقف احتراما لموقف مؤسسة الضمان ووزارة العمل من جهة، ولموقف الحكومة والوزيرة المصرية، اللتين لم تتردا في حمل قضية عشرة عمال مصريين في الخارج، ووضعها على رأس أولوية وزيرة شؤون الهجرة، وهو موقف وبادرة نتمنى أن تقتدي بهما حكومتنا مع حالات شبيهة لأردنيين في الخارج، في قضايا تخص العمل والحقوق الوظيفية.
هذا من جانب. أما الجانب الآخر المهم، فهو أن حادثة الحريق هذه، وما رافقها من ملابسات عدم إشراك العمال بالضمان، تعيد التأكيد على ضرورة التصدي بفعالية وقوة لظاهرة التهرب التأميني، من قبل عديد شركات ومشغلين، قد لا ينكشف أمرهم إلا بحدوث مثل هذه الحوادث المأساوية.
التهرب التأميني وعدم شمول العمال والموظفين بالضمان الاجتماعي، فيه تجاوز صارخ على القانون من جهة، ومن جهة أخرى فيه افتئات وظلم لحقوق العامل والموظف، ولصندوق الضمان أيضا.
آخر إحصاءات الضمان الاجتماعي تشير إلى خطورة واتساع ظاهرة التهرب التأميني، حيث تبين أن نسبة غير المشمولين بالضمان من إجمالي المشتغلين في المملكة، ممن تنطيق عليهم أحكام قانون الضمان، تصل إلى 18 %، فيما تصل نسبة المنشآت المتهربة من الضمان إلى أكثر من 11 %.
لا نتمنى الوصول إلى وفاة عمال جدد، في حوادث مأساوية، لنصطدم مرة أخرى، بتواصل ظاهرة التهرب التأميني، وضياع حقوق عمال كادحين وورثتهم. كل المطلوب اليوم إنفاذ القانون وعدم التهاون في شموله مختلف المؤسسات والمشغلين.