الوصاية الأردنية.. مرحلة جديدة

تركيب الكاميرات في المسجد الأقصى خطوة مهمة في معركة أوسع تتعلق بتثبيت الوصاية الهاشمية، وتقريباً لا يوجد أي عمق استراتيجي أو تفاوضي آخر يمكن الاعتماد عليه خاصة في ظل التعثر الكامل لمشروع السلام مع الدولة الفلسطينية، وبدى واضحاً أن الأداء الدبلوماسي للأردن كان محلاً للتقدير للدرجة التي دفعت أهالي المدينة لأن يطرحوا موضوع الوصاية ليكون في مقدمة أدواتهم لمقاومة التغول الإسرائيلي على المقدسات الإسلامية والمسيحية، ولكن ذلك لا يعني أن المعركة انتهت، ولكنها سترتهن لشروط جديدة، وستتطلب أداء مختلفاً.

تمسك الأردن بموقف يعبر عن الغضب تجاه ممارسات وتجاوزات تل أبيب، وكانت اسرائيل تشعر بشكل أو بآخر أنها تقترب من لحظة فارقة في علاقتها مع الأردن، وكانت سياسة الأردن المتحفظة ورفضه الاستجابة لمحاولات جس النبض من الجانب الاسرائيلي دون وجود خطوات عملية تسهم في إنهاء التوتر والاعتداءات المتكررة على الأقصى، عاملاً حاسماً في تقديم اسرائيل تنازلات لم تكن واردة في فترات سابقة.
نتنياهو تحدث عن آفاق للتعاون مع دول عربية – دون تسميتها – وأن الأمر متوقف بسبب الأحداث في القدس، وهذه الدول لا تشتمل على الأردن، وكانت الحلول المتاحة تتضمن التواصل مع الأردن والاسترضاء من خلال ترتيبات تشعر الدول العربية بالطمأنينة إلى نوايا اسرائيل التي تجد نفسها اليوم جزءاً من فوضى العلاقات القائمة في المنطقة.
السياسة الأردنية كسبت نقطة مهمة، ويبدو أن توافقاً عربياً – اسرائيلياً مبطناً على الالتجاء للأردن كان يعمل على صياغة هذه الإجراءات، وهو ما يجب على الدول العربية أن تبني عليه من خلال دعم الأردن في الملف المتعلق بالقضية الفلسطينية والذي لا يمكن اعتباره ملفاً خارجياً في الأردن، ولكن أحد الملفات الداخلية المهمة طالما أن حلاً نهائياً عادلاً وشاملاً لم يتم التوصل له ووضعه محل التنفيذ والاختبار.
الحديث عن موقف عربي لدعم الأردن يجب أن يترافق مع المحاذير التقليدية للمراوغة الاسرائيلية، ومحاولات التملص من مسؤولياتها أمام الدول التي تستهدف تلطيف الأجواء معها، وهي دول ربما تلجأ إلى تفاهم مشترك يمكن أن يمثل خطوة نحو تحسين العلاقات بناء على وجود التقاء في وجهات النظر الجيواستراتيجية التي بدأت تشهد تحولات كبيرة بعد الاتفاق النووي مع ايران والتدخل الروسي في سوريا.
اسرائيل يجب أن تبقى مسؤولة عن منع عمليات تدنيس المقدسات الإسلامية من قبل قطعان المستوطنين، فلا يمكن أن يتم السماح لهذه الجماعات الغوغائية بإثارة المشكلة ومن ثم المطالبة بمعالجة آثارها والتي تتمثل في الغضب الفلسطيني الذي تدعمه الأردن وتجده تعبيراً عن نبض شارعها المحلي بمختلف أطيافه.
على الرغم من أن دولاً عربية كثيرة أخذت تحيد عن دعمها التقليدي للفلسطينيين، وبعضاً من الأطراف بدأت بوضع الضحية على قدم المساواة مع الجلاد والمغتصب، فإن الأردن بقي يحمل موقفاً ثابتاً على المستوى الرسمي والشعبي.
العلاقة بين الأردن والسلطة الفلسطينية وثيقة، ولكنها أيضاً بالغة الحساسية، سيما أن بعضاً من الأطراف تحاول أن تتصيد في بعض التفاصيل، ولكن السلطة اليوم مطالبة بأعلى درجات التنسيق مع الأردن، وإطلاعه على جميع الأفكار والتحديات بصورة واقعية، فالأردن اليوم يتصدى لقضية كبيرة ومعقدة ومرشحة للتفاقم في أي وقت.