إشكاليات العلاقة الاقتصادية مع إسرائيل

في الذكرى الحادية والعشرين لتوقيع اتفاقية السلام بين الحكومتين الأردنية والإسرائيلية، يمكن القول إن حصاد عقدين مضيا جاء مريرا وملتبسا ومربكا للاقتصاد الوطني، ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة من تحقيق الاختراق الاقتصادي الذي خطط له عقب توقيع الاتفاقية. في حين قدمت لجنة حماية الوطن ومكافحة التطبيع النقابية جهودا كبيرة تسجل لها ولاقتصاد البلاد، عبر محاولات جادة لمنع تبعية الأردن لدولة الاحتلال.
كعادتها، تصرفت إسرائيل بمنطق الاحتلال والهيمنة. إذ عمدت منذ العام 1993 إلى تكريس تبعية الاقتصاد الفلسطيني بالكامل للاقتصاد الإسرائيلي. وبعد عام واحد سعت من خلال اتفاقية السلام مع الأردن إلى استغلال مزايا الاقتصاد الأردني وشبكة علاقاته العربية، للوصول إلى أسواق ليست متاحة لها. واتسمت حقبة التسعينيات بالخداع والمراوغة، وبث أوهام السلام؛ فتناثرت عبارات لا تحمل مضمونا، من قبيل سلة الغذاء والتكامل في وادي الأردن، وعصر السياحة بين البترا وإيلات.
في العام 1997، كانت تجربة المناطق الصناعية المؤهلة في الأردن، والتي تتيح للمواد الخام الإسرائيلية المشاركة في التصنيع تمهيدا للتصدير إلى أسواق عربية وآسيوية. وبالرغم من أن هذه المناطق أسست لمصانع نسيج وغيره من المنتجات، وشغلت آلاف العمال، إلا أنها انطوت على اسغلال رخص اليد العاملة في البلاد، علاوة على تفشي التقاضي، إذ استفاد الإسرائيليون من هذه النافذة الاستثمارية لسنوات، ثم أداروا ظهورهم للفكرة وخدعوا باقي المستثمرين، وضاعت وفقا لذلك أيضا حقوق كثير من العمال في هذه المصانع.
العقلية الإسرائيلية تعرف جيدا ملامح الضعف في الاقتصاد الأردني، وتتحرك ضمن تلك الهوامش. لذلك، لا غرو أن يظهر مشروع ناقل البحرين (الأحمر والميت). فرغم أن المسؤولين الأردنيين يؤكدون أن هذا المشروع المائي والبيئي الاستراتيجي يحقق مصلحة أردنية وفلسطينية، إلا أن إسرائيل ستنال حصة الأسد منه. فكمية الإنتاج المتوقعة من محطة تحلية المياه سنويا تقارب 85 مليون متر مكعب، ثلاثون مليون متر مكعب منها تذهب لإسرائيل من دون مقابل، مع توقعات -بريئة- بأن تقدم جزءا منها للسلطة الفلسطينية.
وفي هوامش المناورة ذاتها، تجد إسرائيل طريقا إلى الاقتصاد الأردني عبر ربطه من خلال احتياجاته من الغاز الطبيعي الذي سرقته دولة الاحتلال من حقوق الفلسطينيين المغتصبة! وهناك محاولات اختراق أسواق الخضار والفواكه الأردنية.
خسر الفلسطينيون كثيرا بسبب "أوسلو"، ومثلهم الأردنيون بسبب "وادي عربة". فيما استفادت إسرائيل مطولا عبر تحقيق اختراق يبدو متطابقا مع خرافة "السلام الاقتصادي" التي نظر لها مطولا رئيس الحكومة الإسرائيلية المتطرف بنيامين نتنياهو.