ثورة المحرومين واستحالة القيام بالإصلاح من قبل الحكام
ثورة المحرومين واستحالة القيام بالإصلاح من قبل الحكام
لن يبرح الطغاة ذئبا ضارياَ مادام يعرف انكم اغنامُ
اعداد/د.فخري ابراهيم راشد خزاعي الفريحات
ناشط سياسي مستقل
هذه الاستحالة هي احد أهم الأسباب المباشرة التي دفعت الشباب العربي للقيام بالثورات للإطاحة بأنظمة الحكم ورفع الشعار الموحد في كل العواصم العربية (الشعب يريد إسقاط النظام ) .. وحتى الشعار الابتدائي (الشعب يريد إصلاح النظام ) في بعض العواصم نراه يتحول سريعا الى شعار إسقاط النظام !! لماذا ؟؟ السبب يكمن في ان هذه الأنظمة وهي أنظمة دكتاتورية ومستبدة تقف وراء كل المحن والمعاناة والمشاكل والظلم والفساد والضعف والتخلف والتمزق الموجود في بلداننا وهي أنظمة سلطة وقمع وتوريث وينخر فيها الفساد ولا تمتلك اي نظم وتشريعات ومؤسسات لبناء دولة مدنية حقيقية ولذلك فإنها فاقدة للقدرة على الإصلاح والتغيير والقيام بالحلول وانجازها ...والحقيقة التي يجب ألا نخفيها او نحاول القفز عليها هي ان كل أنماط الحكم في دولنا وحتى الديمقراطية منها عاجزة تماما عن تقديم الحلول وتعيش حالة أزمة حقيقية وفساد وبعيدة عن تقديم نموذج لبناء دولة صحيح ومقنع وفعال ومنتج ويخدم الشعب !! فالحاكم المستبد يبقى حاكما طول العمر والأمير كذلك وكل رئيس جمهورية صار قائدا للأمة ورمزا لا يجب تنحيته وتعدل الدساتير لإبقائه حتى الممات وتوريث أبنائه على شاكلة الملوك والأمراء وهكذا كتب علينا الطاعة والقبول وإلا فالويل كل الويل لمن يعارض, والديمقراطيات أصبحت مخاصصة طائفية وقومية وسياسية ومجرد صراعات ومواقف متضادة ومتناقضة لا تلتقي مع بعضها البعض على حلول حقيقية ومستقرة وقابلة للتطبيق , هنا تصبح الحلول غير ممكنة ولا يمكن أن تنبع من داخل النظام وعبر أدواته وسلطاته وأشخاصه ويكون التغيير عبر إسقاطه حتميا ولا مفر منه او بديل عنه . فعندما يكون النظام هو المشكلة فلا يمكن أن يكون هو الحل .. وعندما يتحول النظام بمرور الزمن الى ظاهرة سلطوية متخلفة وقهرية وفاسدة ومعرقلة للنهوض والقوة والتقدم فانه يفقد القدرة تماما على التعاطي الجدي والفعال مع مشاكل المجتمع الذي يحكمه ويصبح عبئا ثقيلا لابد من التخلص منه وإزاحته وتغييره ... وإذا كان الخلل واضحا في الأنظمة المستبدة والدكتاتورية كونها أنظمة ظالمة وفردية قمعية وباطلة ولابد من إسقاطها والتخلص منها فان الأنظمة المسماة ديمقراطية لدينا دخلت فيها بعض القوى والحركات والشخصيات التي ارتبطت مباشرة بأجندات القوىالخارجيه و ذات توجهات طائفية وقومية فئوية وبعيدة جدا عن التوجه الوطني والمصالح الوطنية العليا مما أدى الى التعطيل والتمزق والصراع الداخلي ومحاولة فرض الوصاية الدولية على بلداننا وفقدان السيادة واستقلالية القرار. والتجربة الليبيه مع نظام القذافي توضح ضرورة إسقاط الأنظمة الدكتاتورية بصورة جلية .. وسيؤدي بقائه في السلطة الى المزيد والمزيد من الماسي والمحن والضحايا والخسارة الكبرى للوطن وللشعب الليبي ولا يمكن إيقاف ذلك والحيلولة دون حدوثه إلا بإسقاط هذا النظام و قيام كل أفراد الشعب الليبي بذلك حصرا!! نعم لا يمكن التعايش مع هذا الطاغية ولا يمكن إلا أن يكون وجوده سببا لكل مشاكل ومعاناة الشعب ولا يمكن ان يأتي الحل إلا بإسقاطه !! وهكذا هم كل الطغاة !!
كل ثورة تحتاج إلى وجود معادلة (القاعدة الشعبية والقيادة الثورية ) وتعودنا دائما أن الشعوب تثور وتغير الأنظمة الحاكمة والطواغيت بفعل نضج ووعي وثورية وتضحية قياداتها وهذه القيادة تكون في المقدمة وفي الصف الأول وتدعو الشعب وتنظم صفوفه وتقوده لتحقق النصر على أعدائه...
إن هناك مؤشرا خطير جدا ويعكس خلل كبير وحالة تردي مزرية وصلت إليها بعض أحزابنا وحركاتنا السياسية وبعض القيادات السياسيه بفعل عوامل عدة منها :
1) قسوة الظلم الممارس ضدها من قبل الانظمه واختراق صفوفها من قبل عناصر تابعة لها ولأعداء الامة من القوى الخارجيه .
2) حالة العزلة وعدم التحامها بالجماهير وعدم معرفتها بواقع الشعب ومعاناته من جهة وما يملك من طاقات وقدرات للتغيير من جهة أخرى .
3) تخلي العديد من الحركات السياسية والقيادات عن مبادئها ورسالتها والبحث عن المناصب والمكاسب السياسية وبطرق وأساليب بعيدة ومناقضة لما تحمل وترفع من ثوابت وأهداف والقبول بواقع الأنظمة والتقرب إليها .
4) لم تعد هذه الأحزاب قادرة على تحمل عبء مسئولية التصدي للانظمه وما يتطلبه من تضحيات وشجاعة وعزيمة وإصرار مما جعلها تقف في الصف الأخير من الحشود المتقدمة للتغيير والإصلاح والثورة .
5) حالة التشظي وعدم قدرة هذه الأحزاب على التوحد والخلافات الداخلية المستمرة بينها مما جعل هذه الأحزاب عاجزة عن توحيد صفوفها وصفوف الأمة وإقناع الجماهير و تحشيدها وقيادتها من اجل التغيير والثورة على الظلم والظالمين .
6-نفور الجماهير من الاحزاب والسياسيين لعدم مصداقيتهم وبعدهم عن هموم الجماهيروانشغالهم في تحقيق المكاسب الذاتيه.
أما العوامل التي أدت إلى قيام الشباب العربي بالثورات وقيادتها فمنها :
1) ضخامة المعاناة والظلم المفروض عليهم وبكل أنواعه وتأثيراته القاسية والذي أحال حياتهم إلى بؤس وفقر وفقدان جميع متطلبات الحياة الإنسانية المعتادة ويأسهم وفقدانهم الثقة بمن حولهم وقدرته على التغيير فلم يعد هناك مجالا للتحمل والسكوت مما دفعهم للثورة على واقعهم الفاسد والمرفوض .
2) الوعي المتراكم لديهم من خلال ثورة المعلومات وأدواتها الحديثة والتي يستطيعون استخدامها والتعامل معها بحرفية ومهارة عاليتين وكذلك جميع وسائل الإعلام المتاحة لهم مما أدى الى المعرفة الجمعية بكل ما يجري عليهم وعلى بلدانهم وما يخططه الآخرون تجاههم ومن يتحمل مسئولية الظلم والإجحاف المسلط عليهم وعلى أوطانهم .
3) وحدتهم الوطنية وعدم تشظيهم وانقسامهم سياسيا ودينيا ومذهبيا وقوميا وعبورهم وتجاوزهم كل الحدود والعوارض التي حالت دون تجمع الحركات السياسية ووحدتها , أي أنهم استطاعوا تحقيق القفزة الوطنية الوحدوية إن صح التعبير والتي لم تستطعها الحركات والأحزاب والقيادات السياسية والدينية في بلدانهم .
4) بساطة ووضوح الأفكار والأهداف التي يحملونها وأحقيتها وعدالتها بما لا يستطيع احد في الدنيا معارضتها والتشكيك فيها ورفضها , فليس هناك خيانة وعمالة للخارج وليست هناك مصالح فئوية وشخصية او حزبية تختزل أفكارهم وطموحاتهم وغابت عن أساليبهم بالتعبير عنها الفوضوية والتخريب والعنف , وفي مجموعها كانت توجهاتهم ومطالبهم عبارة عن معاني وطموحات وأهداف وطنية وإنسانية نبيلة ومشروعة وبسيطة جدا .
5) القدرة على التحدي المسئول و المنظم والمتوازن والسلمي وتحمل تبعاته والتضحية من اجله دون تطرف او الإضرار بمصالح الوطن او اي طرف يعيش فيه , اي أنهم امتلكوا الجرأة للبدء في عملية الإصلاح وخوض غمارها وتحمل كافة المسئوليات والتبعات المترتبة عليها ومن جرائها ,وبذلك فقد حققوا أهم عنصر من عناصر الثورة ألا وهو المبادأة او الجهوزية للقيام بها وتحمل تبعات التغيير والتضحية من اجله .
6) الإيمان بالله و الثقة بالنفس والاطمئنان بتحقيق النصر والإصرار والعزيمة والصبر والمصابرة
والشجاعه والجرأه وشعورهم بالمظلوميه والغبن والتمييز والاقصاء والتهميش والاجتثاث .
7) دور الاعلام والفضائيات المتقدم حيث تفوق الاعلام العربي على كل الاعلام العالمي بتميز بالدقه والسرعه في نقل المعلومه ومعايشة الحدث بالرغم من المخاطر والتهديدات خيث كانت عاملا موحدا ساهم في التقريب والتوحد فاصبحت اللغه العربيه الرسميه لغة الامه باسرها بعيدا عن اللهجات المحليه وقد سجل هذا ايجابا للفضائيات العربيه.
لقد حدث فجأةَ في عدد من الدول العربيه تظاهرات مليونية مطالبة بالاطاحة بالانظمة الدكتاتورية التى استبدت بالحكم لسنوات تجاوز بعضها نصف القرن من الظلم والاضطهاد فحرمت الشعب من حقوقه وحريته التى هي من الحقوق المشروعة له لأن الانسان خلق حراَ في دنياه في التعبير عن رايه وحرية اختياره فلا يجوز سلب هذا الحق منه لكن هذه الانظمة قد سلبت هذا الحق لسنوات فبقى الشعب مقيد بالاغلال التى تمنعه من ممارسه حقه في الحرية وانا اعتقد ان سبب هذا يعود كله الى الشعب لانه لو رفض الحكم منذ بداية استبداده للسلطة لما حرموا من هذا الحق .
لقدأيقظت التظاهرات التي اصبحت الان الصفة الملازمة لساحات التحرير أيقظت الاردنيين من سبات طويل دام طيلة الفترات المنصرمة التي استولت من خلالها الحكومات المتعاقبة على مقدرات الشعب وهذه التظاهرات لم تقف لتعالج الخلل الحكومي وتحاول ان تستئصل الفساد وحسب بل هي صدمة احدثتها ظروف الحاجة للتغيير في قلب المجتمع الموجوع لنقله من واقع الى اخر .بعبارة اخرى هو الطموح المرتقب لبناء الذات الفردية التي يصار من خلالها الى بناء مجتمع اردني وفق السياقات الحضارية المطلوبه والمرجوه.ورغم مارافق تلك التظاهرات والمسيرات من تضييق على المواطنين منذ اول بادرة شهدها الحراك الوطني لتغيير واقع الحال الماساوي لكن هذا لايعني ان الحكومه ستتمكن من اخماد نار الغضب الذي يسيطر على عامة الناس وخاصة الاغلبيه الصامته والمهمشه جراء الاستهتار بمقدراتهم والالتواء على الحقوق المكفولة والمشروعة انسانيا ودستوريا هذا وان الامراض المزمنة التي تعيشها الحكومة جعلتها تقفز على الشريعة الساسية بشتى الطرق والوسائل في سبيل تامين بقائها اطول فترة ممكنه .كل تلك الاوجاع يتحملها المواطن المغلوب على امره دون جدوى او التماس بصيص امل نحو الافضل .نحن لانرى خلال تلك الفترة المنصرمة التي اعقبت تشكيل الحكومة الجديدة سوى الاخفاق المستمر التي لطالما تشدق بها ساسة البلاد الذين يفتقروا لحد الان الى خطط مدروسة لسحب البساط من تحت اقدام المتربصين هذا اذا تجاهلنا المصادر التي تزرع الخوف وتجعله سببا لقلق الساحة المستمر دون وضع حلول تنهي المشاكل التي لاتزال تقلق مستقبل البلاد. هذا الواقع عكس بظلاله على حال المواطن الذي ينتظر ظلام الليل ليسد رمقه بدعاء يسليه لا ستقبال يوم اخر لايقل ضراوة عن سوابق ايامه المريرة التي لم تحمل معها على الاطلاق سوى الوعود العريضة والطويلة . واننا لانرى ملامح لاي تغيير او اي شيئ يسوقنا للانتظار بعد ان عجزالمواطن من تلك المماطلات التي كانت سببا لفقدان الثقة بينه بين الحكومة وبذلك ستكون تلك الهدنة ليس للتغيير او تنفيذا لرغبات الجياع بل هي كما معروف هدنة لتمييع التظاهرات والقفز على الجراح ليس الا خصوصا بعد ان نعرف ان الحكومة لم ترتكز على اطراف سليمة ناهيك عن الخصوم الذين بدأو يتصيدون بالماء العكر للايقاع بها . ونحن هنا لانريد ان نحكم بفشل لكن الواقع يؤشر الى نهايتها فما لم يتم تدارك الامر عبر الاسراع ببعض الاصلاحات ولو بالجزء اليسير. خصوصا واننا نعي ان الرواسب القديمة التي خلفتها الحكومات المتعاقبة على الاردن لها الثقل الاكبر في تهشيم جسم الدولة ومؤسساتها التي نخرها الفساد والسراق حتى اصبحت الدولة خربة لا تظهر في معالم عملها اي بوادر لانتشال سلبيات الماضي ابتدءا من الاقتصاد المنهار والزراعة المدمرة والتعليم المهمل وانعدام الرقابة الحقيقية .... لانريد ان نسرد الاوجاع جميعها هنا لكن لماذا هذا التسويف والمماطله والتخدير وما الذي طلبه المواطن المغلوب على امره سوى حقه المشروع. بكشف السراق والمتورطين بالفساد الذينيحالولون دفع البلاد الى الهاوية وتاكد ايها الرئيس ان التظاهرات الصاخبة ستستمر حتى اصلاح النظام هناك في تلك الساحة التي يملؤها الحب للوطن تلك الاصوات الشجية التي يطلقها الفقراء والجياع و الادباء والشعراء والكتاب والمفكرين الذين يأملون بمستقبل افضل وبلد خال من اللصوص والمفسدين .
ان واقع الطبقة الوسطى والاغلبيه الصامته في المنطقه برمتها اتسم بالشجن والأسى لمّآل هذه الطبقة التي ارتبطت في عقدي خمسينات وستينات القرن الماضي بحركة مقارعة النفوذ الاستعماري والشروع بتأسيس الدولة الوطنية المستقلة وتبني الديمقراطية وسمو الدستور كخيارات ستراتيجية سعيا لوضع أحلام النهضة واللحاق بركب البلدان المتطورة موضع التنفيذ عبر الخطط التنموية والسير في طريق انجاز الطفرات التعليمية والصحية والصناعية, والتصدي للتواجد الاستيطاني الصهيوني في المنطقة, قبل إن يبدأ مشروعها بالتراجع والضمور لصالح انتصارات المشروع الصهيوني خصوصا في حرب حزيران عام 1967 وسيطرة دول ( الريع) النفطي بعد الاستفادة من الزيادة العالمية لأسعار النفط وتقوية الأنظمة العربية لأجهزتها الأمنية والدعائية مما شجع الحكام على ألاستغناء عن الطبقة الوسطى كقاعدة متنورة وذات مصلحة حيوية في ديمومة مشاريع التحديث والتنمية , وحشرها في دور التابع المطيع لأجهزة الدولة التي اختزلت بشخص الحاكم وأقاربه ومافيات القطاع العام التي حلت بدلا من طبقة ( الكمبرادور ) القديمة كطبقة جديدة فاسدة تعادي مطالب الديمقراطية والحقوق المدنية والنضال ضد التبعية الخارجية .
ينتمي تاريخ ولادة الطبقة الوسطى والاغلبيه الصامته في الاردن الى تاريخ ولادة الدولة,وتدين في نشأتها الى انتشارالجامعات و المدارس والمعاهد العليا وتطور الصحافة والاعلام ونمو الجمعيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ولم تكن نشأة هذه الطبقة حصيلة لرغبة المستعمر البريطاني الذي فرض ( شيوخ العشائر الموالين له وابعد الوطنيين واقصاهم بل اجتثهم ) وفرضهم داخل المجتمع كطبقة متنفذة سياسيا واقتصاديا .
لقد وضعت المزيد من المسامير في نعشها أي الانظمه مع المزيد من المدارس التي أنشأتها , والقصد أن المدارس ستدعّم من قوة الطبقة الوسطى عبر زيادة وتراكم أعداد الفئات المتعلمة والتي سيكون مطلبها الأساس فسح المجال للمشاركة في السلطة وعدم قصره على أبناء الطبقة القديمة المتمثلة بشيوخ العشائر وأبناء العائلات الميسورة الذين تلقوا تعليمهم في الجامعات الغربية الراقية ,
لقدشهدت الطبقة الوسطى في الاردن توسعا مطردا , حيث شكلت نسبه تضم ( المهنيين والأطباء والمحامين والمهندسين والمدرسين وضباط الجيش وموظفي الخدمة المدنية وأساتذة الجامعات والمستويات الوسطى في القطاع التجاري ) . واهم مميزات الطبقات الوسطى في العالم تصدي نخبها للعمل الثقافي والإنتاج الفكري وحضور المكون الأخلاقي في صلب تكوينها والتي طالما سلحت به الدولة من خلال أبناءها الذين يصعدون الى الحكم , ,واخطر ما تمخض عن ذلك تشكل طبقة سريعة بالغة الثراء تصح عليها تسمية (الطبقة الوسخة ) بسبب افتقارها الى المكون الأخلاقي وهي عبارة عن لصوص ومافيات ينتمي جل أعضاءها الى أبناء الطبقتين الفقيرة والمتوسطة .
لقد نشات وتكونت دولة المؤسسات ودولة الحاشية او دولة البطانة حيث يتجسد بصفة أساسية في ان دولة المؤسسات تقوم على تنظيم قانوني وأداري محكم للمرافق العامة يسير على نسق ثابت لا انحراف فيه الا على سبيل الاستثناء القانوني أو الاستثناء الذي يعد عند تحققه جريمة ذات طبيعة إدارية أو جزائية .
وفي مثل هذا النظام الذي يستند إلى معايير موضوعية في الإجراءات والتقييم والاختيار يأخذ كل ذي حق حقه ، ويقوده أصحاب الكفاءة والمعرفة الأكاديمية في المرتبة الأولى، ويكون الهرم الوظيفي تسلسلياً ومحترماً ونادراً ما يخرق.
أما في دولة الحاشية والبطانة فان المحور هو الفرد (الرئيس) لا المؤسسة ذاتها وكلما تغير الرئيس تغيرت التعليمات والخطط والأشخاص فيهدر الزمن والتجربة السابقة ، وفيها يكون الرئيس هو صاحب القرار الأول والأخير ويبقى الآخرون كمتفرجين مهما علت مناصبهم في المؤسسة، وفيها يكون الاستثناء هو الأصل بينما يبقى الأصل كوسيلة يلجأ إليها في أوقات الأزمات او من قبيل ذر الرماد في العيون.
دولة الحاشية هي دولة الإذن المفتوحة والعين المغمضة، فهي دولة الإذن المفتوحة لأنها دولة المؤامرات والوشايات والدسائس والتلفيق والكذب المنقطع النظير، وهي دولة العين المغمضة لأنه يكفي للحكم واتخاذ القرار فيها الاستماع للخصم دون الضحية.
صاحب الكفاءة والمعرفة في دولة الحاشية مستبعد ومهمش ولا سند له ومعركته خاسرة ، بينما تكون القيادة بيد المحسوب والمنسوب والوصولي والانتهازي الذي يتسلق على أكتاف الآخرين ، والسبب هو إن صاحب الكفاءة لا يملك سلاحاً سوى شهادته وكفائته وصدقه ، بينما للانتهازي أسلحته التي تستند مادتها إلى حبك الدسائس والمؤامرات والى اللف والدوران والكذب المنقطع النظير ، وهذه المعركة غير المتكافئة الخالية من القيم والضوابط لا يمكن ان يكسبها شخص نبيل لا يعدو سلاحه أن يكون مجرد كفاءته وإخلاصه.
من جانب أخر تكون المعرفة الأكاديمية الصرفة في قمة أولويات دولة المؤسسات وهي تسعى إلى تنمية المعرفة الأكاديمية وتشجيع مؤسسات البحث العلمي الأكاديمي في مختلف فروع المعرفة العلمية والإنسانية التي تزود مطبقي العلوم من الناحية العملية بكل جديد في مجال الاختراع والابتكار
بينما تقوم دولة الحاشية على فكرة متخلفة مقصودة تقدس ما يسمى بالخبرة العملية والأعراف الفاسدة التي تقوم على إعادة تصنيع ثقافة موروثة مستهلكة ،لعدم قدرة البطانة الجمع بين الوسائل العلمية والوسائل الانتهازية في آن واحد فيؤدي ذلك الى تراجع في مادة المعرفة لعدم قدرتها على مواكبة التطور.
وعلى هذا النحو المتقدم فان ما يمتلكه الأكاديمي اليوم من معرفة في دولة المؤسسات هي بالتأكيد أكثر تطوراً وأوسع نطاقاً مما كان يمتلكه الأكاديمي قبل سنوات.
أما في دولة الحاشية فيجري الحديث دوماً عن فطاحل كانوا قبل عقود عديدة من الزمن في البلد ولا يوجد مثلهم اليوم، وهذه نتيجة طبيعية لاستهلاك القديم دون ان يحل محله علم أكاديمي جديد.
دولة المؤسسات هي دولة الديمقراطية الحقيقية والمساواة القانونية ، ويقصد بالمساواة القانونية ، ان يتساوى أصحاب المراكز القانونية المتماثلة في الحقوق والواجبات ، فحقوق المواطنة تسري على الجميع اما الحقوق الخاصة فتسري على جميع من يحوزها دون غيرهم ، كحقوق الشهادة العلمية وحقوق الشهداء وحقوق الملكية .... ، تطبيقاً للمبدأ القانوني الطبيعي ( مساواة غير المتساوين ظلم فاحش ).
بينما دولة الحاشية هي دولة الديمقراطية المزيفة والشعارات الفارغة والمحسوبية والمنسوبية
دولة المؤسسات هي دولة المراتب العلمية و المعنوية و الثقافية، فيتربع على قمة الحياة الاجتماعية العباقرة وصفوة المثقفين والأكاديميين وكل من قدم لمجتمعه خدمة جليلة.
أما دولة الحاشية فهي دولة الطبقات بامتياز، فيتربع على قمة الحياة الاجتماعية الحاشية وحاشية الحاشية وخليط من الانتهازيين والوصوليين وأنصاف المثقفين الذي يبادرون إلى خلق ستار حديدي يصعب خرقه بين قادة البلد والمواطنين، بينما ينزل العباقرة وصفوة المثقفين والأكاديميين وكل من قدم لمجتمعه خدمة جليلة إلى مراتب متدنية .
دولة المؤسسات تقوم على فكرة ( سلطة الشعب ) وهي دولة الثقافة والفن والأدب والشعر والأفكار النيرة في مختلف مجالات الحياة.
بينما تقوم دولة الحاشية على فكرة ( السلطة الأبوية ) التي تسعى تنمية ثقافة شعبية عامة ترى في أمر اظهاد الفكر الحر امرا مقبولا ومبررا ، مما يترب عليه قتل روح الإبداع وخنق الأفكار المتنورة وإشاعة النفاق السياسي.
دولة الحاشية هي دولة السقوط المفاجئ، بينما دولة المؤسسات هي دولة البداية والنهاية التي تشبه دورة الحياة الطبيعية.
سئل أحد مشايخ بني أمية بعد سقوط دولتهم عن سبب السقوط ؟
فأجاب قائلاً: ( لأنهم وكلوا الأمور الكبيرة إلى الصغار والأمور الصغيرة إلى الكبار،فلا الصغار كانت لهم كفاءة إدارة الأعمال الموكلة إليهم ولا الكبار عملوا بما أوكل إليهم لأنفتهم وبين هذا وذاك ضاعت الدولة ).
اغضب فإن الله لم يخلق شعوباً تستكين
اغضب فإن الأرض تـُحنى رأسها للغاضبين
اغضب ستلقىَ الأرض بركاناً ويغدو صوتك الدامي نشيد المُتعبين
اغضب
فالأرض تحزن حين ترتجف النسور
ويحتويها الخوف والحزن الدفين
الأرض تحزن حين يسترخى الرجال
مع النهاية .. عاجزين
اغضب
فإن العار يسكـُنـُنا
ويسرق من عيون الناس .. لون الفرح
يقتـُل في جوانحنا الحنين
ارفض زمان العهر
والمجد المدنس تحت أقدام الطغاة المعتدين
اغضب
فإنك إن ركعت اليوم
سوف تظل تركع بعد آلاف السنين
اغضب
فإن الناس حولك نائمون
وكاذبون
وعاهرون
ومنتشون بسكرة العجز المهين
اغضب